صراحة نيوز – بقلم حسين الرواشدة
أخشى ما أخشاه أن ننشغل بتفاصيل واقعنا اليومي و المعيشي ، ثم نستغرق في حالة اليأس واللاجدوى واللامبالاة ، فيما ينشط الآخرون بالتخطيط لمستقبلنا ، ورسم خرائطنا، وتقرير مصيرنا، دون أن ننتبه إلى القضايا الكبرى التي يتوجب علينا أن نفكر بها ، ودون أن نتحرك لاستعادة عافيتنا ، وحشد ما نملكه من ارادات لمواجهة ما ينتظرنا من تحولات وأحداث ، ربما تشكل مستقبلنا على غير ما نريد .
هذه “الخشية ” التي أرجو أن تصل رسالتها لكل الأردنيين ، ليست مجرد “قراءة في فنجان “، ولا محاولة للتهوين من مصاعب الواقع و أحواله التي تضغط على أعصاب الجميع ، وربما تخنقهم ، وليست أيضا مجرد فزعة لاستنهاض الهمة الوطنية ، بل دعوة صريحة لفهم ما يحدث لنا ،ومن حولنا ، وما يجب أن نفعله ،بمنطق العقل ،لا الرغبات ، لمواجهة مرحلة قادمة مزدحمة بالمتغيرات والمفاجآت ،واكاد أقول : المؤامرات أيضا .
فيما مضى كنا نردد مقولات مثل “الأردن على الحافة”، أو” في عين العاصفة “، وفي مرات كثيرة من تاريخنا عشنا هذه الحالات وتجاوزناها ، كان لدينا آنذاك من الرغبة والقدرة والإرادة ما ساعدنا على ذلك، وكان لدينا روافع وطنية ، ورجال دولة موثوق بهم ، نهضوا بهذه المهمة .
الآن، للأسف، تغيرت الصورة ، و تزايدت الضغوطات والتحديات ، وافتقدنا العمق العربي ، والرديف السياسي ،وأصبحنا لوحدنا في مواجهة التصفيات النهائية لقضايا المنطقة ،و أبرزها القضية الفلسطينية التي يراد أن تنتهي على حسابنا ، ومن رصيد وجودنا وهوىتنا ، ومستقبل أبنائنا أيضا .
لقد صرف الأردنيون ما يلزم من وقت وجهد ، وربما اكثر من المطلوب ، في انتقاد الحكومات ، و تبرير العجز والانكفاءات و الانسحابات ، والتكيف مع ما يفرضه الواقع الافتراضي من “مخدرات ” لإنعاش وهم التغيير ، وانتظار تحسين الأوضاع ، السؤال الذي لم يطرح للنقاش العام ، ولم يصبح الأولوية الأهم لكل الأردنيين ، هو : ما المستقبل الذي ينتظر بلدنا في ضوء الواقع الذي نراه يتشكل ، داخليا وخارجيا ، وفي إطار الأجندات الخبيثة التي يجري تحضيرها وتمريرها ، لإضعافنا أولا، وإرباكنا ثانيا ، ودفعنا للقبول بالعروض الجاهزة ثالثا ، ثم الاستفراد بنا لا قدر الله .
سؤال المستقبل هذا ، يسبقه سؤال آخر مهم ، وهو : هل يوجد لدى الأردنيين قضية تجمعهم ، وتوحدهم و تشكل أولوية لهم؟ بصيغة أخرى : هل لدينا ” قضية اردنية ” تستند إلى سرديات تاريخيه حقيقية ، ووقائع اجتماعية أصيلة ، ومشروع سياسي واضح ، وهمة وطنية عابرة للأزمات ، وتصورات واقعية لحركة الدولة وعلاقتها مع المجتمع ، ومع دول الإقليم والعالم ، تنهض بها مؤسسات وطنية ، وتساعدها كتلة سياسية واجتماعية ، لنستطيع ترسيم حدود واقعنا ومستقبلنا ، ومواجهة آخر المخططات التي تستهدف وجودنا ، كدولة ومجتمع معا ؟
لا يوجد لدي ما يكفي من المعلومات لحسم الإجابة بنعم ، أو لا، ما اعرفه أن مواجهة أي تهديد لبلدنا يستلزم بلورة “قضية اردنية” جامعة، تكون فيها الدولة -كما كانت قبل خمسة عقود – جاهزة تماما لاستنهاض همة الأردنيين، وإقناعهم بمشروعها ، هذا ، بالطبع، يحتاج إلى شروط موضوعية ، يعرفها فقط رجال الدولة الحريصون عليها ، والأهم أن إيجادها اصبح ضروريا ، باعتبارها خيارنا الأوحد لحماية بلدنا من القادم الاخطر .