الحكومة .. دمرت القطاع الخاص .. والوطن

8 د للقراءة
8 د للقراءة
الحكومة .. دمرت القطاع الخاص .. والوطن

صراحة نيوز – عوض ضيف الله الملاحمه

من البديهي ان يستند القطاع الخاص على الحكومات لدعمه ، وإسناده ، وتشجيعة ، وحفزه ، على التوسع في نشاطاته ، لأن في ذلك منفعة وطنية كبيرة تنعكس إيجاباً على إيرادات الدولة بشكل كبير . لأن القطاع الخاص هو المُغذي الرئيسي للموازنة ، وهو الذي يخلق فرص العمل ، مما يخفض من نسبة البطالة ، ويحد من الفقر ، ويوفر العملات الصعبة ، فتنتعش إحتياطيات البنك المركزي ، وهذا له فوائد جمّة على الوطن بأكمله .

أما في الأردن ، هذا الوطن المبتلى بحكومات تتصف بضيق الأفق ، وتحجر الفكر ، وعدم الإنتماء ، وإبعاد أصحاب الكفاءات ، والإيغال في النفعية ، والرشاوي ، مما يؤدي الى حدوث عكس ذلك تماماً . حتى أصبحت الدولة الأردنية عبئاً على القطاع الخاص بدل ان تكون سنداً وعوناً له . والغريب انهم يُصدِّعون رؤوسنا في نشاطاتهم التي يدَّعون انها تهدف الى إستقطاب الإستثمارات الأجنبية ، معتقدين ان المستثمر الأجنبي غبي يمكن الضحك عليه وإغرائه بمعسول الكلام وانه سيأتي مهرولاً لإقتناص تلك الفرصة الثمينة ، الزائفة حقيقة . لأنهم لا يعرفون ان دول العالم المتقدم لديهم مخابرات إقتصادية ، متخصصة في الشأن الإقتصادي ، ودورها ينحصر في توجية المشورة للمستثمر الذي يود الإستثمار في دول أجنبية ، وأن أي رجل أعمال لا يخطو خطوة الا بمشورتهم ، لا بل إنهم يُخضعونهم الى دورات ، لتعريفهم بالآلية التي تُدار بها تلك الدول ، ويعرفونهم بأسماء الشخصيات النافذة — وهناك كتاب ضخم – او دليل – يتألف من آلاف الصفحات إسمه ( Who is Who ) ، يتضمن أسماء تلك الشخصيات ، ويتم تحديث تلك المعلومات بإستمرار ، حتى انهم يُعلمونهم الكلمات النابية لتجنب ان يُخدعوا بها ، كما يعرفونهم بكيفية المصافحة ، والاطباق الرئيسية ، واغلب متطلبات الحياة اليومية للتعايش مع تلك البيئات . وان المستشارين الإقتصاديين في سفاراتهم يَعِدُّون تقارير متخصصة عن كل بلد ، وهم أحد المصادر الرئيسية للمخابرات الإقتصادية . وأنهم يعرفون معاناة المستثمر الأردني في وطنه ، ويعرفون ان مئات المستثمرين الأردنيين هاجروا الى دول أخرى هرباً من جحيم تخبط الحكومات الأردنية ، عندها ماذا يكون مصير المستثمر الأجنبي !؟ هذا إضافة الى عامل آخر يتمثل في إنهاك المستثمرين الأجانب ويتمثل في الرشاوي قبل ان يبدأ نشاطه . وقبل أكثر من عقدٍ من الزمن شاهدت مقابلة مع مستثمر كويتي على تلفزيون الكويت الشقيقة ، حيث قال : أنه أُجبر على دفع ( ١٥٠ ) مليون دينار أردني كرشاوي ، قبل ان يحصل على الترخيص ، وكان ينوي إستثمار ( ٣ ) مليارات دينار أردني ، لذلك قرر مغادرة الأردن الى الأبد .

الدولة الأردنية تُضيِّق على القطاع الخاص ، فتحد من نشاطاته ، وتوسعاته ، وتسرق أرباحه ، وتزيد من مخاطره — لأن درجة عدم التأكد (degree of Uncertainty ) عالية ولا يمكن التنبؤ بها — ، وترفع نسبة التهديد الذي يواجهه ، فتُجبره على اللجوء الى أحد الثلاثة حلول : ١ )) إما الهجرة الى دولة أخرى ، والدليل هجرة المستثمرين الأجانب والأردنيين الى بلدان مجاورة مثل : مصر ، وتركيا . ٢ )) او الإغلاق النهائي او تغيير النشاط . او ٣ )) التقوقع ، والإنكماش ، والإكتفاء بالمقسوم البسيط ، والبعد عن المغامرة والمخاطر الجمّة الناتجة عن قِصر التشريعات ، وإنغلاق فكر المخططين الإقتصاديين الحكوميين .

القطاع الخاص ، هو الذي ينهض بالأوطان ، وهو الذي يوصلها للإزدهار ، والإنتعاش ، وهو المُشغِّل الرئيسي للعمالة ، وهو القطاع الفاعل لخفض نسبة الفقر ، وهو الداعم الرئيسي للموازنة العامة ، وهو الذي يرفع ميزان التبادل التجاري مع العالم ، وهو المورد الرئيسي للعملات الصعبة ، وهو المحفز الرئيسي للنمو الإقتصادي . فإذا صَحّ وضع القطاع الخاص ، صَحَّ الوطن بأكمله ، وإذا إنكمش ، وهاجر خارج الوطن ، فمصير الإقتصاد غرفة الإنعاش . وهيهات ان يصح إقتصاد مُتحجرةٌ عقول مُشَرِّعيه ، وواضعي قوانينه وسياساته .

القطاع الخاص هو باروميتر إقتصاد الأوطان . فإذا تم التضييق عليه ، ورفع أثمان مدخلات الإنتاج ، وتقييده بتشريعات وقوانين جائرة فلن ينشط ، ولن يتعافى . إذا كان مفهوم رئيس الوزارء انه يعتبر دعم المحروقات ترفاً ، فمن أين نبدأ !؟ هل من المعقول ان مستشاريه الإقتصاديين والماليين ، لم يُفهموه ، لا بل لماذا لم يدرزوا عليه درزاً — إذا كانت لديهم الجرأة — نعم لماذا لم يدرزوا عليه درزاً ، ولا ينفكون عنه حتى يُفهموه التالي : إن النقل هو عصب الإقتصاد ، وان حركة الإقتصاد مرتبطة بدوران عجلات الشاحنات وغيرها ، وان رفع أسعار المحروقات لهذا السقف الجنوني سيؤدي الى رفع كلفة النقل ، مما يرفع كُلف الإنتاج ، ورفع كُلف الإنتاج يرفع أسعار كافة السلع والمنتجات سواء المنتجة محلياً او المستوردة ، وإن المواطن سيتأثر إنفاقة ، وسينخفض مستوى معيشته ، وان هذا سيؤدي الى ركودٍ إقتصادي وربما يصل الأمر الى كسادٍ إقتصادي . كما ان إرتفاع كُلف مدخلات الإنتاج سيرفع أسعار الصناعات الوطنية مما يقلل من نسبة منافستها في الأسواق الخارجية ، خاصة وان صناعاتنا تعاني من كارثتين خطيرتين : أولهما : لا وجود ل ( Mass Production ) أي الإنتاج بكميات ضخمة . لانه كلما زادت كمية المنتجات تقل كُلف الإنتاج الثابتة ، وتنحصر الزيادة في كلف الإنتاج المُتغيرة . وثانيهما :- أن معظم منتجاتنا المحلية ليس لديها القدرة على المنافسة في الجودة في معظم الدول التي نُصدِّر اليها سلعنا الوطنية ، وان بعض الأسواق تقبل بمنتج أقلُّ جودة مقابل سعرٍ مناسب للمستهلك .

تصوروا أن حكومات لا تُدرك أنها بالتضييق على القطاع الخاص تُضيق على نفسها بإنخفاض إيرادات موازنتها ، التي تعتمد على الضرائب والرسوم المتعددة ، ولا تفهم ان معظم إيراداتها هي متأتية من القطاع الخاص ، الذي يُشكِّل موردها الرئيسي . ومع كل هذا يتهور الرئيس ويكشف سطحية سياساته ويقول بنبرة الواثق ، وبكل ما أوتي من حِدّة في نَبرة الصوت بأن الموازنة ليس لديها ترف دعم المحروقات !؟ البين يطس الوطن الذي جعلك تعتلي كُرسياً لست أهلاً له ، لا بل فضفاضاً عليك .

الأوطان لا تُدار بطول اللسان ، وقبيح الألفاظ ، ولا بالعناد ، والتشبث بالرأي الخاطيء . وللتذكير لمن لا يعرف : السياسة كانت تُسيِّر الإقتصاد ، هذا قبل عقودٍ من الزمن . أما في عصرنا الحاضر فإن السياسة في خدمة الإقتصاد . المؤسف أنهم لا يُدركون ان التضييق على القطاع الخاص ، يعتبر تضييقاً على الوطن بأكمله .

وأختم بأبياتٍ متفرقة عن الفوارق بين المسؤولين الذين يعتلون المناصب :—

ليس كل من يُطلق عليهم رجال هم رجال
فكلمة الطير تجمع بين الصقر والدجاجة .
يا باري القوس برياً ليس يُحسِنُهُ / لا تظلمِ القوس إعطِ القوسَ باريها .
عُمر المناصب ما تعز الرجاجيل / الرجال هي اللي تعز المناصب .
رجلاً يشيله منصبه ويتعداه / ورجلاً يشيل المرتبة ما تشيله .

Share This Article