أدى اعتدال الطقس إلى انخفاض أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا إلى أدنى مستوياتها قبل غزو روسيا لأوكرانيا، فمع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الخريف لم تكن أوروبا بحاجة إلى الاعتماد بشكل كبير على احتياطياتها من الغاز التي كانت قد تزايدت تحسباً لمزيد من التخفيضات في الإمدادات الروسية، كما أن تباطؤ الاقتصاد وتدابير توفير الغاز أدي إلى تضاءل الطلب المنزلي والصناعي في المنطقة في الوقت الحالي، وعلى الرغم من موجة البرد التي شهدتها أوروبا في منتصف ديسمبر، إلا أن البداية المعتدلة للمناخ للعام الجديد أدت إلى انخفاض الأسعار.
انخفض الغاز الطبيعي الهولندي (TTF) وهو السعر القياسي الأوروبي للعقود الآجلة للغاز بأكثر من 80% من أعلى مستوى له في أواخر أغسطس، وفقًا لبيانات ICE، ويقف حاليًا عند 68 يورو لكل ميغاواط في الساعة بانخفاض عن 150 يورو / ميجاوات ساعة في 7 ديسمبر.
وقد أدى ضعف الطلب الأوروبي إلى خفض المنافسة على شحنات الغاز الطبيعي المسال مع المشترين الآسيويين، مما أدى إلى انخفاض أسعار الغاز في آسيا، حيث انخفض مؤشر اليابان – كوريا (JKM) وهو السعر القياسي لشحنات الغاز الطبيعي المسال الفورية التي يتم تسليمها إلى اليابان وكوريا وتايوان والصين، أيضًا بنحو 58% من ذروة أواخر أغسطس التي بلغت 70 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (MMBtu).
تراجعت أيضًا عقود Henry Hub الآجلة للغاز الطبيعي قبل شهر واحد والتي يتم تداولها في بورصة نيويورك التجارية إلى حوالي 4 دولار / مليون وحدة حرارية بريطانية من 9 دولار في سبتمبر.
ولكن بعد تراجع الأسعار بوتيرة كبيرة يبقي السؤال الحالي هو هل سترتفع أسعار الغاز الطبيعي مرة أخرى في مواجهة المزيد من التخفيضات في إمدادات الغاز الروسي وانتعاش الطلب على الغاز الصيني بعد الإزالة الكاملة لقيود كوفيد 19؟
أداء الغاز الطبيعي في 2022
سجلت أسعار تداول الغاز الطبيعي في أوروبا ارتفاعات قياسية خلال عام 2022، حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن أدى انخفاض إمدادات الغاز الروسي وزيادة الطلب على الطاقة مع إعادة فتح الاقتصادات بعد جائحة كوفيد 19، إلى جانب الأداء الضعيف لمصادر الطاقة المتجددة، إلى ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا.
وقد لامس الغاز الطبيعي الهولندي (TTF) لفترة وجيزة أعلى مستوى له على الإطلاق عند 345 يورو / ميجاوات في 7 مارس بعد أن هاجمت روسيا أوكرانيا في 24 فبراير، قبل أن يتراجع تدريجيًا إلى أقل من 110 يورو / ميجاوات في الساعة، وفقًا لمخطط أسعار ICE.
من الأسبوع الثاني من مارس إلى منتصف يونيو، كان سعر الغاز الأوروبي ثابتًا في نطاق من 88 يورو / ميجاوات في الساعة إلى 110 يورو / ميجاوات ساعة، على الرغم من أن شركة غازبروم بدأت في قطع الإمدادات إلى العديد من الدول الأوروبية مثل بولندا وبلغاريا وهولندا، حيث ساعد انخفاض أسعار النفط الخام من أعلى مستوياتها في عدة سنوات عند 139 دولار للبرميل وانخفاض أسعار الغاز الطبيعي المسال في آسيا في انخفاض أسعار الغاز في أوروبا.
ولكن بدأ السعر في الارتداد إلى 120 يورو / ميجاوات ساعة في منتصف يونيو، بحلول نهاية يوليو تجاوزت الأسعار 200 يورو / ميجاوات ساعة بعد أن خفضت روسيا إمداداتها من الغاز عبر خط أنابيب نورد ستريم من 100 مليون متر مكعب في منتصف يونيو إلى 33 مليون متر مكعب يوميًا في 25 يوليو.
بعد أن لامست ارتفاعًا جديدًا عند 346.52 يورو في 26 أغسطس، انخفضت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي تدريجيًا إلى ما دون 220 يورو، وتراجعت المخاوف من نقص الإمدادات لفصل الشتاء بعد أن حققت ألمانيا هدفها في أكتوبر لملء سعة تخزين الغاز إلى 80%-85% في وقت أبكر مما كان متوقعًا.
سعة التخزين في ألمانيا ممتلئة
تشير البيانات الرسمية الألمانية إلى أنه اعتبارًا من 4 يناير 2023 كان تخزين الغاز في البلاد ممتلئًا بنسبة 90.64%، وأعاذ المحللون ذلك إلى الطقس المعتدل الذي قلص من المخاوف، وعلى ما يبدو أن المنطقة ستجتاز موسم التدفئة في فصل الشتاء الجاري بطريقة مريحة، ومع ذلك، لا تزال هناك مخاطر واضحة للسوق حيث ستكون الأسعار بحاجة إلى أن تظل مرتفعة من أجل ضمان بقاء السوق في حالة توازن.
تم تداول الغاز الطبيعي الهولندي TTF حول 67.15 يورو / ميجاوات ساعة في 5 يناير، وهو المستوى الذي لم نشهده منذ ديسمبر 2021، أي قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، كما تراجعت أسعار الغاز في الولايات المتحدة وآسيا عن مستوياتها المرتفعة حيث أثر ضعف الطلب في أوروبا على الأسعار.
أظهرت بيانات من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) أن سعر الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة انخفض إلى 4 دولارات بنهاية ديسمبر 2022 من أعلى مستوى في 14 عامًا عند 9.85 دولار / مليون وحدة حرارية بريطانية في 29 أغسطس.
تم تسعير مؤشر اليابان – كوريا (JKM) عند 20.34 دولار / مليون وحدة حرارية بريطانية اعتبارًا من 5 يناير بانخفاض بنحو 58% من ذروة 69.95 دولار التي تم تسجيلها في 25 أغسطس.
إمدادات أوروبا لا تزال غير مستقرة
على الرغم ملئ خزانات أوروبا بشكل كامل نسبيًا من الغاز الطبيعي، بقيت تساؤلات حول ما إذا كانت أوروبا ستكون قادرة على ملء مخزون الغاز عندما ينتهي موسم التدفئة حيث قد ينخفض الإمداد الروسي أكثر.
يتوقع الخبراء أن يتراجع الامدادات الروسية من الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي بنحو 60% أخرى على أساس سنوي لتصل إلى قرابة 23 مليار متر مكعب في عام 2023، في أواخر عام 2022 انخفضت تدفقات الغاز الروسي اليومية إلى الاتحاد الأوروبي بنحو 80% على أساس سنوي، لهذا بات من الواضح جدًا أن هناك خطرًا حقيقيًا للغاية يتمثل في توقف التدفقات المتبقية، قد تواجه أوروبا أيضًا تحديات مستمرة من الإمدادات من سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي بسبب السعة الجديدة المحدودة في عام 2023.
تشير التوقعات إلي أن القدرة التصديرية للغاز الطبيعي المسال العالمي قد تشهد نموًا بمقدار 10.5 مليار متر مكعب فقط خلال عام 2023، أي أقل من التوقعات البالغة 19 مليار متر مكعب خلال عام 2023، وذلك لأن العقوبات المفروضة على روسيا بسبب هجومها على أوكرانيا قد تقيد أي ارتفاع في الامداد الروسي، حيث يشكل الإنتاج الروسي قرابة 45% من إجمالي الطاقة الجديدة المتوقعة في عام 2023.
يعتقد المحللون أن أسعار الغاز الطبيعي المسال قد ترتفع مرة أخرى في عام 2023 إذا أدى الانتعاش الاقتصادي الصيني في عام 2023 إلى زيادة الطلب على الغاز فائق التبريد، من المفترض أن تساعد الزيادة في إمدادات الغاز الطبيعي المسال مع بدء تشغيل المرافق والمنشآت الجديدة قيد الإصلاح والصيانة على مدار العام في تخفيف أي ارتفاع في الأسعار، على الرغم من أننا نستثني التقلبات التي قد تبقيها مرتفعة، حيث من المحتمل أن تشهد أوروبا فترات طقس قاسية مما قد يؤدي إلى استنفاد مستويات التخزين، مما يشكل تهديدًا على أرصدة السوق في العام المقبل وإضافة إلى ضغوط الأسعار المرتفعة بالفعل.
توقعات أسعار الغاز الطبيعي في عام 2023 وما بعده
في 5 ديسمبر توقعت وكالة فيتش أن يبلغ متوسط غاز Henry Hub الأمريكي لعام 2023 نحو 5 دولار لكل 1000 قدم مكعب، حيث انخفض من 6.75 دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن ينخفض سعر الغاز في الولايات المتحدة إلى 3 دولار في عام 2025.
بالنسبة لتوقعات أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية لعام 2023، توقعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن يبلغ متوسط الغاز الطبيعي الهولندي TTF نحو 40 دولار / قدم مكعب، وهو تعديل هبوطي عن التقدير السابق البالغ 45 دولار، وكتب محللون في وكالة التصنيف: “ما زلنا نتوقع اعتدالًا في الأسعار بسبب انخفاض النمو الاقتصادي، مما سيقلل الطلب على المدى القصير، في حين أن تخفيف الضغوط الجيوسياسية على المدى الطويل سيؤدي إلى مزيد من الانخفاضات في الأسعار”.
