صراحة نيوز – بقلم ضيف الله الملاحمه
التهافت ، نعم التهافت الذي تُبديه غالبية الأنظمة العربية تجاه التطبيع مع العدو الصهيوني ، تجاوز كل المفاهيم والأعراف الدبلوماسية ، لا بل تعدى ذلك الى التنازل عن كرامة الأوطان وهيبتها ، هذا عدا عن تحييد ، وتجاهل إرادة الشعوب .
ما هو متعارف عليه في عالم الدبلوماسية والعلاقات الدولية بين الدول ، عندما يكون بينها خلافات او حتى حروب ، وعندما تود ان تجنح للسلام ، تبدأ بتخفيف اللهجة العدائية في الخطاب الإعلامي ، تمهيداً لوقف الحملات الإعلامية العدائية ، حتى يُفهم ان الطرفين يجنحان للسلام وإعادة العلاقات . وفي معظم الأحيان يكون هناك دولة أخرى تتميز بعلاقات طيبة مع الطرفين تلعب دور الوسيط ، من تحت ستار ، بعيداً الأضواء ، وعن أعين الإعلام الذي يترصد . ثم تبدأ كلتا الدولتين بتقديم إرهاصات حذرة وحصيفة لتهيء شعوبها للخطوات القادمة عندما يحين موعد المجاهرة بالتصالح . بعدها تتم لقاءات تجمع وفوداً من البلدين في البلد الوسيط ، ثم يتم إعادة تبادل السفراء ، بعدها تركز البلدان على إعادة التبادل التجاري السلعي والخدماتي .. وهكذا . ما ذُكر اعلاه ليس إستعراضاً لمعلوماتي المتواضعة في هذا المجال ، لكن ليعقد القاريء مقارنة مع أصول تعامل الدول بين بعضها البعض ، وليتأكد القاريء من انني لم أكُن مُبالِغاً ، وليس هناك شططاً في إستخدام توصيف تهافت .
يحدث كل هذا التهافت المُعيب رغم خصوصية وتفرد نوعية عدائنا مع عدونا ، ورغم خطورته وطمعه التوسعي الذي يهدد معظم الاقطار العربية التي تشمل حواضر العرب الثلاثة الأهم : القاهرة ، وبغداد ، ودمشق ، التي صنعت التاريخ العربي ومأمول منها ان تُعيد الألق للعرب . أما الأردن فهو في عين عاصفة التهديد الصهيوني بعد فلسطين .
وعند إخضاع ما يحدث للمنطق ، أرى انه لا تفسير لهذا التزاحم ، والتسارع ، والإندفاع ، والتسابق في التهافت على إقامة علاقات مع أخطر عدو في تاريخ العرب ، الا ان الأنظمة العربية ربما تفهمت ، وآمنت ، وإقتنعت ، وتبنت العقيدة الصهيونية ، لذلك بدأت تدعم تنفيذها ، لأنها مقتنعة تماماً بالرواية الصهيونية المفبركة ، الركيكة ، المُدعاة . وليس هذا فحسب بل تؤكد ان الأنظمة العربية تدحض الرواية الفلسطينية بان أرضهم مُحتلة من لَمَمّْ يهود العالم الذين تقاطروا على فلسطين من كل أقطار العالم ، والأدلة كثيرة وتتمثل في تَحَدُّث سكان الكيان العديد من لغات العالم ، وحملهم جنسيات عشرات الدول المختلفة من كل القارات ، والأهم ان الدليل الأكيد على زيف روايتهم بأرض الميعاد أنهم غير قادرين على الإندماج مع بعضهم لتكوين مجتمع منصهر في الرؤى ، والعادات والتقاليد واللغة .. وغيرها .
نعم غالبية الأنظمة العربية تنكرت لفلسطين العروبة ، وأصبحت غير مقتنعة بأن أرض فلسطين للفلسطينيين ، بل يبدو أنهم مقتنعون بأن الغُزاة اللَّمَمّْ هم أصحاب الأرض ، رغم أن الأنظمة العربية عاشت كل مراحل الإحتلال الصهيوني ، وغزوهم لفلسطين . كما يبدو أنهم لا يودون أن يتذكروا أن من سبقوهم كانوا من أكبر المنافحين عن القضية ، والمدافعين عنها ، والداعمين لها . وأورد مثالاً واحداً : أين اللاءات الثلاث التي تم التوافق عليها في القمة العربية في الخرطوم عام ١٩٦٧ بعد هزيمة حزيران !؟
العقل يأبى أن يُصدِّق ما يحدث ، لذلك أجد أن هناك أسباباً دفينة يحاولون إخفائها لهذا الإندفاع ، ولا أجد مبرراً لذلك سوى أن الأنظمة العربية باعت القضية بثمن بخس يتمثل في تلقيهم وعوداً من الصهاينة وداعميهم من دول الغرب الفاجر المتغطرس بالمحافظة على عروشهم .
في مرحلة اليأس من تخلي الأنظمة العربية عن سياساتها المُعيبة هذه ، ليس بيد شرفاء الأمة العربية ألّا ان يتثبتوا ، ويصبروا ، ويصمدوا ، ويتشبثون بقناعاتهم العروبية الصائبة ويقولون بصوت واحد :— فالتعمل الأنظمة ما تريد ، لأن الشعوب العربية تتجاهل إرادة دولها وترفض التطبيع والإختراق . والأمثلة كثيرة على مصداقية هذا الطرح ، ولتأكيد صحة ذلك عملياً أورد ثلاثة أمثلة أكيدة هي : ١ )) أقدمت مصر العروبة الحبيبة على توقيع إتفاقية كامب ديفيد مع العدو عام ١٩٧٩ ، أي قبل ( ٤٤ )) عاماً ، وما زال الشعب العربي المصري العظيم بعامته عازف عن التطبيع ، ورافضاً له . ٢ )) والمثل الثاني إقدام وطني الحبيب الأردن على توقيع إتفاقية وادي عربة عام ١٩٩٤ ، أي قبل ( ٢٩ ) عاماً ، وشعبنا الأردني العظيم بعامته يرفض التطبيع تماماً . ٣ )) أُذكِّر القراء الكرام في مونديال قطر الذي إنتهى قبل بضعة أسابيع ، وكيف سَخَّرَ العدو الصهيوني ماكينته الإعلامية القديرة والخطيرة للحصول ولو على لقاء واحد مع أيٍ من الشباب العرب الفتي الذين حضروا المونديال ، وفشلوا فشلاً ذريعاً ، لدرجة أن ساسة العدو وخبرائه من إعلاميين ، وسياسيين ، ومحللين أعلنوا بأن التطبيع لم يتم الّا مع الأنظمة العربية ، وأن الشعوب العربية بعامتها ترفض التطبيع . نعم الشعوب العربية ترفض التطبيع ، وتَلفظ العدو ، وتعتبره جسماً سرطانياً غريباً ، وأن الكيان ليس أكثر من طامع مُحتال ، مُحتل غَارَ على أرض غيره وإستوطنها بالخداع ، والتهاون ، والدعم اللامحدود من جهات عديدة ، لا أُحبذ أن آتي على ذِكرها والتطرق لها ، وهي أصلاً باتت مكشوفة لكل مهتم ذي لُبّْ .
على الأنظمة العربية أن تفهم بأن الإختلافات مع الشعوب العربية ليست مُنحصرة في قضيتنا المركزية الأولى فلسطين ، بل إن الإختلافات وصلت حَدّ فُقدان الثقة ، والتنافر في كل شيء ، ولن يكون هناك لقاء ، لأن النفور إستحكم . إهنئوا بإستسلامكم للعدو ، لتكونوا عِبرة لغيركم عندما تتكشف خديعة ومكر أخطر عدو في تاريخ البشرية . هذا العدو الذي أقرّ رَبُّ العِزة جلّ جلاله بمكره في كتابه العظيم القرآن الكريم .
ما يؤلمني أن حركة ناطوري كارتا اليهوديه يدعون في صلاتهم على الكيان بالزوال ، وشعوب العالم الحُرّْ بدأت تتكشف لها خداعات حكوماتها وبدأت تتخلى عن دعم الكيان ، حتى أن ذلك التخلي عن الكيان قد بدأ يظهر لدى اللّوبي الصهيوني في أمريكا مربط خيل الكيان ، الأيباك ( AIPAC).
أنظمتنا العربية ، ( خَلِّيكُم ) على قناعاتكم المُعيبة بصحة الرواية الصهيونية الزائفة ، وتفاخروا بتخلّيكم عن أشقائكم وأرضكم العربية المسلوبة . إشبعوا بعلاقتكم مع عدوكم . لا مُبرر لتخليكم عن قضيتكم الا إيمانكم وقناعتكم بالفكر الصهيوني ، او ضمان بقاء عروشكم . العروبي الذي لا يشبهكم نطق بالشهادتين وعروبة فلسطين وهو يُزمجر كالأسد في عرينه مُستخِفاً بالمِشنقة .
وأقول من شجوني المتواضعة التي فرضت نفسها عليّ وأنا أختم مقالي ، حيث قُلت :-
إحذر عدوك ولو القى عليك السلامْ
فلا عذر لك عندما تُبدي الندمْ
بعد وقوعك في شباكه وغدره
وإنكشاف ظهرك لِخُبثهِ وسِهامهِ ..
وإنخداعِك بِطيب الكلِمْ .
وأختم بما قاله ابو الطيب المتنبي عن العدو :-
يُخفي العداوةَ وهي غيرُ خَفيةٍ / نَظَرُ العدوِ بما أسَرَّ يَبوحُ .