السيولة مشكلة العالم

9 د للقراءة
9 د للقراءة
السيولة مشكلة العالم

صراحة نيوز – كتب د عبدالله سرور الزعبي

منذ البدايات لم تعرف البشرية الا السيولة المائية، والتي بدأ النزاع عليها مبكرا، وقد يعود الصراع الى ما يزيد عن 4500 سنة والمرتبطة بالضارة السومرية واستخدام مصادر المياه كوسيلة حربية للضغط على الطرف الآخر للنزاع لحرمانه منها، وتشير الدراسات الى ان الاشوريين كانوا يلجأون الى تسميم مياه الآبار في حروبهم، واستخدمت المياه في حروب القبائل العربية ومن قبل الرومان ايضا ضد دولة الانباط. الا ان النزاعات على المياة تفاقمت نوعا ما بعد انهيار الامبراطوريات الكبرى وتشكل دول متعددة تعتمد على مصادر المياة المشتركة كالبحار والانهار والبحيرات والاحواض المائية الجوفية، وكثير من الدول خاضت حروب المياه تحت شعار اعادة ترسيم الحدود.
وحسب التقارير العالمية المنشورة ومنها المنشور في مجلة الشؤون العالمية، نجد ان ما لا يقل عن 270 مصدرا مائيا من احواض الانهار والبحيرات والاحواض الجوفية عابرة للحدود السياسية بين الدول، ومنها ما لا يقل عن 170 حوضا مائيا تشترك فيه اكثر من دولة ويعود ذلك للتراكيب الجيولوجية التحت سطحية الذي لا يعترف بالحدود السياسية للدول. ان معظم الاحواض الماية للدول الاوروبية احواض مشتركة، وعلى سبيل المثال حوض نهر الدانوب والكثير من الاحواض المائية الجوفية كحوض البلطيق وفي اسيا حيث الصين منبع للكثير من الانهار التي تستفيد منها شعوب دول جنوب ووسط اسيا وحوض نهر السند المشترك بين الهند والباكستان وحوض نهر النيل والكونغو والسنغال وغيرها في افرييقيا وحوض نهر الامازون في امريكا اللاتينية وغيرها الكثير.
اما منطقة الشرق الاوسط والتي تعاني أصلا من شح في المياه، فمعظم مصادر المياة والاحواض الجوفية فيها مياة مشتركة، كمياة نهر دجلة والفرات والنيل والذي يعتبر من أكثر احواض المياه المرشحة لتفاقم النزاع في الوقت الحاضر ونهر الاردن والبحر الميت والذي تبلغ مساحة حوضه المائي حوالي 40000 كم مربع وتشترك فيه كل من الاردن وفلسطين وسويا ولبنان واسرائيل. كما ان حوض وادي عربة وحوض الديسة الذي تشترك به الاردن مع السعودية وحوض الحماد المشترك بين الاردن والسعودية والعراق وسوريا لا تعترف بالحدود السياسية لهذه الدول. كما انه من الملاحظ وحتى هذا التاريخ فان النزاع على مصادر المياة لم يشر الى الكثير من الصراعات العسكرية.
ان الحديث عن السيولة النفطية بدأ بعد اول اكتشافات نفطية في الولايات المتحدة الامريكية وفي اذربيجان في حوض قزوين من قبل الحكومة القيصرية الروسية والتي حاول هتلر الوصول اليها والى نفط القوقاز والمكتشف لاحقا خلال الحرب العالمية الثانية، وسعت اليابان ايضا الى السيطرة على نفط جنوب وشرق اسيا. وتسارعت الاكتشافات النفطية في الشرق الاوسط (الخليج العربي والسعودية وإيران) مع بداية القرن الماضي والتي كانت تحت النفوذ البريطاني والامريكي. اشتدت المنافسة بعد ان أصبح النفط اهم مصدر للطاقة وخاصة بين الدول العظمى المسيطرة على الاقتصاد العالمي لتأمين مصادر للطاقة لاستمرار عملية النمو الاقتصادي لها والمعتمد على الصناعة بشكل رئيسي، واصبحت منطقة الشرق الاوسط مركز النزاع العالمي الرئيسي نظرا لوفرة مصادر الطاقة الاحفورية فيها وخاصة بعد الاكتشافات الغازية في شرق البحر المتوسط مؤخراً. كما ان النزاع الروسي الاوكراني والذي اخذ طابعا عالميا بين روسيا من جهه وحلف الناتو من جهة أخرى وحالة الاستقطاب التي يشهدها العالم له ارتباط مباشر بذلك. وبالعودة الى العقود الماضية حيث كانت بعض الدول تهدد باستخدم النفط كسلاح ضد الدول الكبرى والمهيمنة، الا ان هذه الدول المستهلكة بدأت في العقد الاخير تستخدم النفط والغاز كسلاح للعقوبات ضد الدول المصدرة له كما في حالة إيران وفنزويلا وروسيا مؤخرا. وبهذا تكون الدول الاوروبية قد تخلت عن تاريخ من الامدادات النفطية الروسية التي بدأت مع المانيا منذ عام 1968 وتطورت لتصبح المانيا أكبر شريك لروسيا في هذا النوع من التجارة، حيث وصل استيرادها الى ما يقارب 35 % من احتياجاتها النفطية وحوالي 15 % من مشتقاته، وما يزيد عن 70 % من الغاز. وكذلك بقية الدول الاوروبية ولكن بنسب مختلفة. وهنا سيبرز السؤال الى أي مدى تستطيع اوروبا التخلي عما لا يقل عن مليوني برميل من النفط الروسي يوميا وما يقارب 9 تريليون قدم مكعب من الغاز مع المحافظة على القوة الصناعية وكبح التضخم ووفرة السيولة النقدية؟ والى اي حد تستطيع روسيا التخلي عن السيولة النقدية التي تدفعها اوروبا لها؟ وهل الصين والهند وباكستان وغيرها من الدول قادرة على تعويض روسيا عن خسائرها؟
اننا وبكل ثقة نستطيع ان نقول ان القرن الماضي وحتى تاريخه يعتبر عصر الصراع على السيولة النفطية في العالم وخاصة مع الاكتشافات الجديدة في العقدين الماضيين في حوض قزوين شرق البحر المتوسط وافريقيا وامريكا وأستراليا والاكتشافات الكبرى في المحيط الشمالي والتي تفوق الاحتياطي العالمي الموجود في اليابسة، مما يجعل التنافس بين الدول الكبرى ينتقل تدريجيا من الشرق الاوسط الى الجزء الشمالي من الكرة الارضية خلال النصف الثاني لهذا القرن. كما ان الاكتشافات العلمية المتلاحقة لمصادر الطاقة النظيفة كالهيدروجين (1 كغم تعادل الطاقة الناتجة عن 1 جالون من البنزين) اصبحت متزايدة وقد يصبح الاقتصاد العالمي مع نهاية هذا القرن يعتمد بشكل اساسي على هذا النوع من الطاقة، مما يخفف الاعتماد على الطاقة الاحفورية، الا انه لا يغني عنها.
مع انتقال الصراع العالمي على مصادر الطاقة الاحفورية والنظيفة منها تدريجيا الى الجزء الشمالي للكرة الارضية سيظهر حتما النزاع على السيولة المائية في الجزء الجنوبي للكرة الارضية، وقد تصل الى حدود المواجهة الجيواستراتيجية بين الدول بسبب الجفاف الناتج عن التغيرات المناخية، ولعدم قدرة الكثير من الدول من الحصول على مصادر بديلة للمياة النظيفة التي تلبي الانفجارات السكانية المتزايدة وخاصة في بعض دول امريكا اللاتينة وافريقيا والشرق الاوسط واسيا، والتي انخفضت فيها حصة الفرد من المياه الى ما دون 1000 متر مكعب سنويا، وهناك الكثير منها انخفضت فيها الى ما دون 500 متر مكعب ومنها الاردن، وفي مثل هذا الحالة يكون بقاء الافراد فيها مهددا.
كما ان التقارير العالمية الصادرة عن الكثير من المؤسسات الدولية تين ان أكثر من مليار نسمة في العالم لا يحصلون على مياه نظيفة لي اغراض الشرب في الوقت الحاضر وما يزيد عن 50 % من سكان العالم يواجهون نقصا في المياة بشكل عام وبالتالي نقصا في الغذاء، وهذا ما اشار اليه براون في مؤتمر استوكهولم للمياة حيث بين ان نشوب الصراعات بسبب المياه في المستقبل سيكون أكثر احتمالا من نشوبه بسبب النفط.
ان تفاقم الازمات العالمية المرتبطة في السيولة النفطية والنقدية في الوقت الحاضر والسيولة المائية والنقدية مستقبلا ستعاني منها او من احداها الكثير من الدول العالمية وبنسب متفاوتة، باستثناء الولايات المتحدة الامريكية والتي لديها كافة انواع السيولة نسبيا في الوقت، بينما تعاني الصين واوروبا من نقصاً في السيولة النفطية فيما تعاني روسيا من النقص في السيولة النقدية، ازدادت حدته نتيجة العقوبات المفروضة عليها وهي الاكبر في تاريخ البشرية بعد اندلاع الحرب في اوكرانيا. الا ان الكثير من الدول الافريقية وامريكا اللاتينية والاسيوية تعاني نقصا من كافة انواع السيولة ومنها الاردن. وكوني مختص في الهندسة الجيوفيزيائية وساهمت او اجريت الكثير من الدراسات في المملكة الأردنية الهاشمية فان النقص في السيولة النفطية يعود الى اسباب متعلقة في التركيب الجيولوجي العميق للقشرة الأرضية (وهو عنوان أطروحة الدكتوراة المقدمة من قبلي عام 1992) ويعود النقص في السيولة المائية جزئيا الى افتقارنا لمصادر المياة المستقلة عن الدول المجاورة التي نشترك معها في الاحواض المائية والتي حرمتنا من الحصول على كافة حقوقنا منها (وعلى الأقل الحصة التي حددتها خطة جونسون عام 1955 والتي اقرت بان حصة الأردن بما فيها الضفة الغربية من مياه اليرموك ووادي الاردن بواقع 720 مليون متر مكعب، منها 241 مليون متر مكعب لصالح الضفة الغربية)، والهجرات القصرية المتلاحقة بحيث اصبحنا من اكبر الدول المستضيفة للاجئين نسبة الى عدد السكان وترددنا في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية التي تحفظ امننا المائي كمشروع ناقل البحرين والتوسع في بناء السدود وخاصة الترابية منها في المناطق الصحراوية

Share This Article