فوالق القشرة الأرضية: زلازل وثروات (1 – 2)

7 د للقراءة
7 د للقراءة
فوالق القشرة الأرضية: زلازل وثروات (1 – 2)

صراحة نيوز – كتب د. عبدالله سرور الزعبي
في عام 1991 كنت أعمل على إعداد رسالة الدكتوراه بعنوان التركيب العميق للقشرة الأرضية في الأردن مستخدماً معطيات المسح المغناطيسي الجوي والمسح الجاذبي ومعطيات بعض الآبار العميقة من مناطق الريشة والازرق والسرحان والجفر وعجلون والبحر الميت وغيرها من المعطيات الجيولوجية، ولتعزيز النتائج التي كنت قد توصلت اليها كان لا بد من استخدام بعض خطوط المسح السيزمي وكوني مبتعثا من قبل سلطة المصادر الطبيعية (تم الغاؤها وباعتقادي كان قراراً خاطئا)، إلا أن القائمين عليها رفضوا بحجة انها معلومات سرية، وعندما أخبرت البروفسور المشرفة على الرسالة، كان الرد سنتدبر الامر، وبعد أسبوع تم ترتيب زيارة الى مركز المعطيات الجيوفيزيائية العالمي في موسكو، وخلال أسبوع من العمل هناك اطلعت على خطوط المسح السيزمي من كافة مناطق الأردن وسورية والعراق وجزء من السعودية وفلسطين، لا بل ومعطيات المسح الجيوفيزيائي في البحر الأحمر والبحر المتوسط، وبطريقة او بأخرى اطلعت على معطيات المسح الجوي وبعض صور الأقمار الصناعية، التي تبين وجود شبكة من الفوالق في شرق حوض البحر المتوسط وقارة افريقيا. ان احد هذه الفوالق لم يكن معروفا الى حد ما لجيولوجيي المنطقة ويبدأ من نقطة التقاء فالق حفرة انهدام البحر الميت مع فالق الاناضول الشرقي ويمر في شرق المتوسط (مشكلاً منخفض شرق البحر المتوسط) ويدخل الى القارة الافريقية من مصر ويلتقي بفالق آخر يقسم افريقيا (الجزء الشمالي الغربي والجنوبي الشرقي) ويستمر حتى خليج غينيا على ساحل المحيط الأطلسي.
إن فالق شرق البحر المتوسط يشكل مع فالق انهدام البحر الميت الحدود التكتونية للصفيحة اللبنانية الفلسطينية، وهي صغيرة الحجم تتأثر بقوة حركة الصفيحة العربية والصفيحة الاناضولية والافريقية، وملتقى هذه الصفائح وحركتها المسؤولة عن زلازل تركيا الأخيرة، حيث ان مركز الزلازل الاول وقع عند ملتقى فوالق انهدام البحر الميت وفالق شرق الاناضول وشرق البحر المتوسط تقريباً، وهي فوالق ضخمة تحدث على طولها حركات مستمرة للصفائح التكتونية والزلزال الثاني للشرق منه وضمن ملتقى هذه الفوالق مع فوالق اخرى جانبية أخرى نتيجة زيادة في الضغط على صدوع جليك خان، وأنطاكيا، تم اثارة الحركة عليها وبقوة، تبتعها زلازل ارتدادية على كافة الفوالق ذات الارتباط الجيوتكتوني والتي ستستمر لفترة من الزمن حتى تتخامد الطاقة. ان زلازل تركيا تعتبر من اقوى الزلازل التي تضرب يابسة الكرة الارضية.
إن المختصين في اكاديمية العلوم الروسية توصلوا الى وجود كميات ضخمة من النفط والغاز في شرق البحر المتوسط ووسط افريقيا وترسبات معدنية مختلفة تشكل مصدرا هائلا للمعادن على طول الفالق الافريقي والفوالق ذات الاتجاهات المختلفة المتصلة به، لا بل ان النقاش من قبل بعض المختصين وخاصة من سبق لهم العمل في سورية وبعض دول افريقيا قد تأخروا في الوصول الى هذه القناعة وجاءت في وقت لا توجد لدى روسيا القدرة الكافية على الساحة العالمية للتحرك للسيطرة او فرض النفوذ على كثير من الدول التي تتوفر فيها الثروات غير المكتشفة، مؤكدين بأن صراعاً ما سيندلع لا محالة على هذه الثروات.
في عام 1992 قدمت تقريرا عن كل ذلك الى مدير عام سلطة المصادر الطبيعية المرحوم المهندس كمال جريسات آنذاك، بما فيها الاعلان عن تراكيب جيولوجية تحت سطحية جديدة في القشرة الارضية الأردنية، والذي تبناه، إلا أن بعض قيادات سلطة المصادر الطبيعية عارضوه وكما فعل علماء الجيولوجيا عندما عارضوا نظرية فاغنر عن الصفائح التكتونية والتي تم الاعتراف بها بعد ما يقارب الثلاثة عقود من وفاته.
بعد عقد من الزمن تم الاعلان عن اول اكتشاف للغاز مقابل ساحل غزة الفلسطيني وتحديدا عام 2000، وتوالت الاكتشافات في حقل تمار 2009 وليفياثان 2010، وصولاً الى اكتشاف حقل ظهر قبالة الساحل المصري 2015، وما تزال اعمال البحث والتنقيب مستمرة مقابل السواحل التركية واليونانية والقبرصية والسورية واللبنانية.

ان كميات الغاز المكتشفة والمعلن عنها حتى هذا الوقت تقدر بما يقارب 2100 مليار ومرشحة للزيادة الى ما يزيد على 3500 مليار متر مكعب. ستتبعها اكتشافات نفطية وبكميات ضحمة بكل تأكيد.
إن مثل هذه الاكتشافات تزيد من الاهمية الجيوبولتيكية لمنطقة الشرق الاوسط، مما يضيف عناصر جديدة تعقد الصراع بكافة ابعاده السياسية والعسكرية والاقتصادية والقانونية، مع الاخذ بعين الاعتبار الاختلال الواضح لتوازن القوى في المنطقة.
الوضع الحالي يشير الى ان اسرائيل وبما لديها من قوة عسكرية وعلاقات ودعم دولي تلجأ الى فرض الامر الواقع، تركيا وبما تملكه من قوة عسكرية متنامية لن تتراجع عن الحصول على ما تسمية حقوقها وهي التي تسعى للتخلص من الاتفاقيات الدولية التي فرضت حدودها البحرية، كما انها ليست عضواً في معاهدة الامم المتحدة لقانون البحار واسرائيل كذلك. من هذا المنطلق سارعت تركيا للتدخل العسكري في النزاع الليبي وتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود معها، على الرغم من الرفض المصري اليوناني القبرصي. الامر الذي دفع مصر الى الاسراع في ترسيم حدودها البحرية مع هذه الدول ومع اسرائيل مقدمة بعض التنازلات لأهداف سياسية داخلية وخارجية، الامر الذي لا توافق عليه تركيا بشكل قاطع، الا انه من الممكن ان يتغير الوضع قريبا بسبب ما تمر به تركيا من ازمة اقتصادية تعمقت كنتيجة للدمار الناتج عن الزلازل الاخيرة.
في سورية تسيطر الشركات الروسية على اعمال التنقيب محمية بالوجود العسكري. لبنان الحلقة الاضعف، وعلى الرغم من توقيعها على اتفاق ترسيم الحدود مع اسرائيل واكتفت بمساحة 860 كم مربع من المناطق المتنازع عليها والتي تضم حقل قانا المكتشف من قبل شركة توتال الفرنسية، متنازلة عما يزيد على 1400 كم مربع من الاراضي المتنازع عليها والتي تضم حقل كاريش، وقد يعود ذلك الى الحسابات اللبنانية السريعة للاستفادة من حقل قانا لمحاولة الخروج من ازمته الاقتصادية، وبهذا يكون حزب الله قد التزم بعدم تهديد الاستثمارات الاسرائيلية هناك، لا يمكن للبنان ان يستفيد من كامل ثرواته الساحلية إلا بالوصول الى اتفاق نهائي مع سورية لترسيم حدوده البحرية.
إن اختلال القوى بكافة اشكالها بين القوى المتنافسة على ثروات شرق البحر المتوسط، دفعت بعض الدول للاستعانة بشركات الدول الكبرى لضمان تدخلها لحماية مصالحها في المنطقة.

Share This Article