صراحة نيوز – كتب د. عبد الله سرور الزعبي
تعود معرفتي الفعلية بالجامعات العظيمة لعام 2000-2001 بعد حصولي على منحة الفولبرايت الأميركية لقضائها في معهد وودز هول لدراسة المحيطات (Woods Hole Oceanographic Institution) والمرتبط بتشاركية في البرامج مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وعملت ايضاً خلال تلك الفترة مع المساحة الجيولوجية الاميركية في نفس الولاية. خلال تلك الفترة زرت مجموعة من الجامعات اما محاضرا او للاطلاع على التجارب الناجحة فيها ومنها جامعات (هارفرد وكولومبيا وستانفورد وييل وشيكاغو ونورث ويسترن وغيرها)، كانت سنة بحثية رائعة انجزنا فيها عدد من البحوث مع الدكتور تن برنك والتي نشرت في أرقى المجلات العالمية، وتم الاعداد وخلالها الى اقتراحات عدد من المشاريع حصلنا على تمويل لثمانية منها من مؤسسات الدعم الاميركية المختلفة.
أما الجامعات الألمانية العريقة والتي كانت نموذجاً عالمياً قبل صعود الجامعات الأميركية فقد امضيت فترة من الزمن باحثاً في بعضها كجامعة قوتنقن وجامعة كارلسرو التقنية، حيث مكثت بها كباحث حاصل على منحة ألكسندر فون همبولت (حيث اتيحت لي الفرصة لزيارة عدد كبير من الجامعات الاوروبية)، والبعض الآخر لتنفيذ مجموعة من المشاريع البحثية والمدعومة من الحكومة الألمانية ومؤسسات أوروبية اخرى.
كما أن معرفتي الفعلية بالجامعات البريطانية العريقة تعود لمشاركتنا والدكتور مصطفى العدوان في برنامج القيادة في التعليم العالي عام 2013 عقد في جامعة أوكسفورد، لنلتقي بقيادات خمس من الجامعات البريطانية، تبعتها المشاركة ببرامج اخرى في تدويل التعليم والحصول على التمويل للبحث العلمي، ومن خلالها اطلعنا على ما يجري في الحاضنات العلمية والتكنولوجية لديهم.
في شهر حزيران عام 2016 قام مجلس التعليم العالي بالتسيب بتعييني رئيساً لجامعة البلقاء التطبيقية، وخلال فترة الانتظار لصدور الارادة الملكية السامية، قمت بقراءة كتاب جامعات عظيمة لجوناثان كول، للاستفادة من تجربة القادة الأكاديميين الذين نقلوا جامعاتهم في القرن الماضي من حالة السكون الى قمة هرم الجامعات العالمية، وقمت بالاتصال مع بعض قيادات الجامعات العالمية في اميركا واوروبا لتبادل الآراء معهم ومعرفة الاهداف التي يسعون للوصول اليها في المستقبل للمحافظة على التقدم والنمو.
تجارب رائعة وآراء كثيرة، منها العظيمة بقيمتها النظرية ومنها العملية القابلة للتطبيق في حال توفر الدعم المادي او كان لدى العاملين في الجامعة طموح للانتقال الى التميز توفرت لديهم القدرة والعزم على تحمل النقد وتجاوز العقبات البشرية من الراغبين في البقاء في وضع السكون، وهل يمكن تطبيق المبادئ والعوامل الاساسية التي اوصلت الجامعات الاميركية لقمة العظمة (المرجع كتاب جامعات عظيمة، كول)، التي منها: القدرة على الانتاج العلمي ونوعيته التي تظهر التميز فيه وقدرته على التأثير في المجتمع الاكاديمي العالمي، والقدرة على الحصول دعم لمشاريع البحوث المقدمة للمنافسة للحصول على الدعم، القدرة على استقطاب الطلبة المتميزين في دراستهم، جودة التعلم والتعليم والذي يحتاج الى اساتذة متميزين فعلاً، وتوفر المصادر التقنية في المختبرات ومصادر المعلومات (وهذه لم تعد عائقاً اليوم في عصر التحول الرقمي)، والمصادر المالية، والحرية الاكاديمية، والموقع الجغرافي، والقدرة على الاسهام في الفائدة العامة في التنمية الاقتصادية، وتوفر القيادة (المتفوقة والمتميزة عبر مسيرتها الاكاديمية بدءاً بالمدرسة وحتى الحصول على درجة الدكتوراه، الجريئة، صاحبة المشروعات، لا تعرف الكلل، صاحبة رؤية مستقبلية وحقيقية، والقدرة على التحكم بزمام الامور في الجامعة وفقاً لسيادة القانون، والقادرة على تغليب مصلحة المؤسسة على المصالح الشخصية لأي كان، والقادرة على الخروج في مناظرات علنية مع نظرائهم للدفاع عن خططهم او تصريحاتهم لدفع الاشاعة والتضليل المجتمعي).
القائد صاحب المشروع لا يتطلع الى الماضي بل يجب ان يرتبط بالحاضر والمستقبل، وقادر على تبني النموذج الديناميكي للجامعة لأحداث التغيير مهما كانت آراء بعض قصيري النظر، وله القدرة على اقناع الفريق العامل معه او على الاقل عدد من منهم ليساعدوه. أذكر انه في عام 2019 عندما دخلت جامعة البلقاء قائمة الالف بتصنيف التايمز، سألني أحد رؤساء الجامعات التركية الذي سبق أن زار الجامعة في سنوات سابقة، كيف استطعت ان تحدث هذا التغيير، فكان الجواب أنني أقف على أكتاف بعض العمالقة من فريق القيادة في الجامعة (مقتبسة من اينشتاين).
إن القيادات هي من تضع الجامعات على طريق الوصول للقمة، عندما تكون غير آبهة بقوى الشد العكسي من اصحاب المصالح او المنظرين منهم اصحاب التاريخ الحافل بالسرقات العلمية ومحاولات تحطيم الآخرين بالإشاعة تارة وبالتحالفات مع اشباههم تارة اخرى وذلك عن طريق المواجهة واتخاذ القرار، لا باللجوء الى الهدوء والتسكين والذي لا محالة سيؤدي الى التراجع الأكاديمي على الساحة العالمية والاقليمية والوطنية.