لا ثِقةَ بالمسؤول .. مَن المسؤول ؟

8 د للقراءة
8 د للقراءة
لا ثِقةَ بالمسؤول .. مَن المسؤول ؟

صراحة نيوز – كتب عوض ضيف الله الملاحمه

بداية لا بُدَّ مِن تعريف ” المسؤول ” و ” المسؤولية ” . أفضل تعريف للمسؤول هو : الذي لديه إلتزام وإحساس بالهدف الأخلاقي لفكرة المسؤولية . أما تعريف المسؤولية فهي : مَلكة فِطرية لدى الفرد تتمثل في القُدرة على الإلتزام وبذل أقصى جهد للوفاء به ، والقدرة على التحكم ، والتحلي بالتفكير الإيجابي .

وهنا أطرح الأسئلة التالية : هل يفهم المسؤول الأردني معنى ان يكون مسؤولاً ؟ وهل يفهم معنى المسؤولية !؟ وإذا فهم ذلك : ما مدى التزامه وتطبيقه لقواعدها وأُسسها ، ومراعاته للأمانة التي يَحمِلها !؟

في الحقيقة ان المسؤول الأردني حتى ثمانينات القرن الماضي كان مِثالياً في التزامه ، وفهمه للمسؤولية التي يحمِلها ، ويعتبرها أمانة لها قدسية . لذلك كان المسؤول الأردني متميزاً في أدائه لواجباته الوظيفية ، ويزيد عليها قيماً نبيلة ، وإستقامة ونزاهة متفردة . وعليه كانت الدول العربية الناشئة تتسابق للتعاقد مع الأردنيين ليساهموا في بناء أوطانهم . وكان يُنظر الى الأردني بنظرة إكبار ، وإحترام .

لكن المؤسف ان تلك السُمعة ، وذاك التميز ، قد ذهبا الى غير رجعة . حيث إنحدرت قيم المسؤول الأردني ، تبعاً لإنحدار إدارة شؤون الوطن . وسوء الأوضاع المعيشية ، الذي أدى لإنحدار قيم غالبية الأردنيين ، وهذا يعود الى غياب العدالة ، وتمأسس الفساد ، وإنتشار الشللية ، والمحسوبية ، وتجاهل الكفاءة كمتطلب . وكل ذلك أدى الى إنتشار البطالة ، والفقر ، وغياب الطبقة الوسطى ، وتحول الوطن مقراً للمخدرات وليس ممراً ، وزادت نسبة الجرائم بمختلف أنواعها .

وسأسرد لكم بإيجاز شديد كيف يُصبح المسؤول الأردني مسؤولاً ، ثم كيف يتعامل مع مهامه كمسؤول ، وما هي أولويات إهتماماته الرسمية والشخصية :— عندما تكون بدايات المسؤول التعيين بالواسطة ، وليس الكفاءة ، فإنه يصبح عبداً خانعاً ، ذليلاً ، مُنقاداً لمن خدمه بهذا التعيين . وعليه يُدرك بالمعايشة والخبرة ان التزلُّف ، والتملُّق ، والإنقياد للمسؤول هي المواصفات المطلوبة للترقي الوظيفي . عندها يكون مِطواعاً لسيده الذي سيوصله ليصبح رئيساً لقسم ، ثم مديراً . وهنا يُدرك انه في المرحلة القادمة لن يترقى الا بمزيد من التذلُّل ، والإنخراط في إحدى شِلل الفساد ، ليصبح أميناً عاماً او مديراً عاماً ، أما ليصبح وزيراً فعليه ان يُقدّم المزيد من التذلُّل والتبعية . وبعد ان يصبح مسؤولاً كبيراً ، يكون همه تأمين مستوىً معيشياً يليق بمركزه بعد مغادرته . وهنا يُفرِغ ما تبقى لديه من قيم ، وأخلاق ، وكرامة ، لأن ضمان مستوى حياة يليق بالمنصب الذي وصل اليه لا يتحقق من راتبه التقاعدي ، لذلك عليه الإنخراط في إحدى حلقات الفساد ( ليلهف ) قدر المستطاع مما تطاله يده الملوثة ، خاصة انه في سباق مع الزمن لأن المناصب العليا في معظم الأوقات تعتبر ( مشمشية ) عمرها قصير ، لذا عليه ان ( يلهف ) أكبر مبلغ بأقصر زمن . وهناك أفضلية لمن يصل مرتبة وزير ، حيث يتبقى لديه فرصة بعد مغادرة موقعه ، بأن يُحابي ، ويُقيم بعض الولائم لمن يتسنمون مواقع في شركات حكومية كبرى ، ليحظى بعضوية مجلس إدارة ، حيث ( اللهف ) بالملايين لتعدد مصادره من رواتب خيالية ، ومكافآت ، ومياومات ، ورشاوٍ بعشرات الملايين . ويسنده في تحصيل ذلك ، ان الدولة العميقة لا تنسى رجالاتها ، فَتُقلِّبهم ذات اليمين ، وذات الشمال ، في الشركات ، والسفارات ، والهيئات ، هذا عدا عن الأُعطيات ، والهبات ، والمكرمات له ولأبنائه ، وكله تعزيزاً ومأسسة للفساد ، والإفساد ، وشِراء الضمائر التي غادرت أولئك الى غير رجعة ، لأنهم إعتادوا على إستمراء الحرام ، المغموس بكرامة ذهبت ، وقيمٍ غادرت ، وأخلاقٍ سَقطت ، وكرامةٍ إنتُهِكت .

غالبية المسؤولين الأردنيين ، فقدوا الإنتماء وتخلوا عن العطاء ، لذلك تراهم يحتقرون المواطن ، ويترفعون ، ويتغطرسون ، ويتشددون في تطبيق القوانين ، ويتعسفون في فهمها ، والتشبث في نصوصها ، لإشاعة التعقيد ، والتضييق على الناس ، وذلك إما غطرسة وفرضاً للسيطرة ، او دفعاً للمواطن الى زاوية ان لا حلول الا بدفع المقسوم ، حتى يضطر المواطن ( لِدهن سير المسؤول ) ليحظى بالقبول ، ليحصل على الخدمات اللازمة .

غالبية المسؤولين إما لا يفهمون ، او يشوهون المسؤولية التي أُنيطت بهم . والسبب أنهم وصلوا اليها ، وحصلوا عليها بدون وجه حق ، وسرقوها من حقٍ مكتسب لآخر مؤهل ، وكفوء ، وصاحب قيمٍ ونُبل . وهذا متوقع من شخصٍ كانت رافعته مسؤول فاسد ، لذلك لا يكون لدية إنتماء للوطن ، ولا إستعداداً لخدمة المواطن .

أحد الأسباب الرئيسية لحضارة الغرب التي وصلوا اليها ، يتمثل في فهم آلية تطبيق القانون . حيث يفهم المسؤول ان دوره تبسيط ، والتخفيف من جمود نصوص القوانين — دون المساس بجوهرها — والتقليل من حدة إجراءاتها ، و ( مغطها ) لأقصى درجة للتخفيف على المواطن . لذلك في الغرب لا يُعاني المواطن ، ويُخدم بأقصر وأسهل ، وأيسر الطرق ، وتحفظ له كرامته ، فيشعر بأنه عزيزاً مُكرماً ومحترماً في وطنه . بينما عندنا يحترفون إذلال المواطن ، وتعقيد أمور خدماته . وهذا هو الفرق بين الكرامة والذِلّه ، وهو نفس الفرق بين الغرب والشرق .

المسؤول عندنا يفهم المسؤولية على أنها وسيلة لتحقيق المصالح ، وإتخام الحسابات ، والسير في ركب الفاسدين ليحظى ولو في عَظْمَة . وأحياناً العظمة تعني الملايين ، ما دام الإنسان بلا قيم ، ولا دين ، ولا أخلاق ، ولا حِساب دنيوي ، ولا يعترف بالحساب الأُخروي . ومن أَمِنَ العقوبة أساء الأدب ، وساءت أخلاقه ، وفسد ، وأفسد ، وسَرق ، ونَهب ، وعطَّلَ مصالح الناس ، وأهمل مسؤولياته ، وإبتعد عن أي إنجاز .

طبعاً هذا ليس تعميماً ، لأن هناك نسبة ولو كانت ضئيلة من المسؤولين وصلوا بكفائتهم ، وخدموا وطنهم بشرفٍ وأمانة . ويُشرِّفني أنني أعرف الكثير منهم . لكن مثل هؤلاء الأكفاء الشرفاء يكونون كما الشوكة في حلق الدولة العميقة ، لذلك يتم تطبيق نظريتي الإدارية ( Promote to Shoot ) اي تتم ترقيتهم للتخلص منهم . وهذه نظريتي التي وضعتها عند دراستي الماجستير في إدارة الأعمال .

المسؤوليات تُحددها البرامج ، وبما ان الحكومات تأتي بدون برامج ، وتغادر بدون محاسبة ، إذاً كيف يكون هناك مسؤوليات !؟

وأختم بالإجابة عمَّن هو المسؤول عن فقدان الثقة بالمسؤول وأقول : الدولة العميقة هي المسؤولة لأنها ظَلمت الوطن بتعيين رؤساء وزارات ، ووزراء غير أكفاء ، شوهوا منظومتنا الأخلاقية ، ونشروا الفساد ، وغيبوا العدالة ، وقتلوا الإنتماء للوطن ، وإستخفوا بقيمنا الأصيلة ، ونشروا الشللية ، وغابت المراقبة والمحاسبة . لذلك فُقِدت الثقة بهم ، وهل يوثق بفاسد ساقط !؟
آااااااخ يا وطني الحبيب ، لك الله ، من هؤلاء الطُغاة .

Share This Article