صراحة نيوز – بقلم الدكتور محمد المناصير
1- يوم اختلطت اوراق السياسة بدخان البنادق.. للذكرى والعبرة والتاريخ
اصبح الاردن ساحة للفوضى من قبل المنظمات الفدائية لكثرة عدد المنظمات، واختلاف توجهاتها السياسية والعقائدية، وتحول المنظمات الى المدن والقرى تحت ضغط العدو على المناطق المحاذية لنهر الاردن. فقامت المنظمات بمحاولة التعويض عن عجزها في مناجزة العدو بعرض عضلاتها امام المواطنين في عمان، كما نقلت المنظمات تناقضات الوطن العربي الى الساحة الاردنية، واخذت تصف الحكومة الاردنية بانها حكومة “رجعية”. وحكومة “عميلة” وضربت المنظمات بانظمة وقوانين المملكة عرض الحائط، حتى اصبحت كل منظمة تتصرف كانها دولة داخل دولة واخذت تتدخل حتى بتشكيل الحكومة.
وبرزت تنظيمات تابعة لدول اخرى تحت ستار العمل الفدائي، كمنظمة “الصاعقة” السورية الممثلة لحزب البعث السوري وانشأ العراق “جبهة التحرير العربية”.
كما ظهرت تنظيمات شيوعية ماركسية لنينية وصينية منها؛ “قوات الانصار” المدعومة من الشيوعيين في الاتحاد السوفياتي والصين والعديد من الانظمة العربية.
وقد فقدت الحكومة الاردنية السيطرة على الوضع الامني في البلاد، وعمت الفوضى وسادت شريعة الغاب، واخذت المنظمات تثير المواطنين وتشجعهم على القيام بمظاهرات معادية للحكومة، وتجبر المواطنين والطلاب على المشاركة في هذه المسيرات والمظاهرات المعادية للحكومة الاردنية، حيث كان عناصر هذه المنظمات يدخلون الى الصفوف ويخرجون الطلاب بالقوة تحت تهديد السلاح.
واصبحت قواعد الفدائيين في المدن والقرى حكومات مصغرة تدير شؤون الاحياء ولها الكلمة الاولى على المواطنين. اما العسكريين الاردنيين فقد منعوا من دخول المدن والقرى والذهاب الى اهاليهم في اجازاتهم واوقفوا واحتجزوا وعذبوا الى درجة ان بعض المنظمات “دقت مسامير 10 سم” في رؤوس الجنود الاردنيين. كما اقامت المنظمات الحواجز لاعتقال المواطنيين والعسكريين واطلاق النار على المواطنيين وارهابهم من قبل صبية لم تتجاوز اعمارهم 13 عاما. وفي الاحياء الشعبية الفت “ميليشيا” شعبية لتكون سندا للمنظمات في المدن والقرى والارياف تم تدريبهم ودفعت لهم الرواتب، حتى ان سائقي سيارات الاجرة كانوا مسلحين بالمسدسات والقنابل اليدوية.
وبدأت المنظمات الفدائية تتدخل في عمل الحكومة والمحاكم، حتى ان المنظمات انشأت محاكم خاصة بها تحاكم المواطنيين وتسجنهم اذا تطلب الامر، وكانت العناصر المسلحة تدخل بالسلاح الى قاعات المحاكمة ويعترضون القضاة ويقومون بتعطيل المحاكمات. وقد رافق ذلك اعمال تخريب وتدمير ونهب وقتل وسرقة وجمع تبرعات بالقوة وهتك عرض واقتلاع الاشجار واعتداء على مؤسسات الحكومة والاعتداء على رجال شرطة المرور وتجريدهم من سلاحهم واهانتهم.
وافادت السجلات ان المنظمات الفدائية المسلحة عملت من الفضائع ما لا يمكن حصره حيث تم خلال الفترة 1968-1970 القاء القبض على اكثر من 7000 شخص وقتل 849 شخصا، وجرح 5781 شخصا واقتحام 4663 منزلا واختطاف 2082 شخصا واغتصاب 411 حالة و6148 سرقة و3407 حالات اعتداء على عسكريين ورجال امن، ودهس وصدم 720 شخصا و1875 حالة تهريب و528 حالة اعتداء على املاك الدولة و3314 حالة تزوير لوثائق رسمية. كما كانت بعض المنظمات تهاجم مكاتب المنظمات الاخرى.
كما كان افراد المنظمات يدخلون المستشفيات باسلحتهم ويختطفون الاطباء والممرضين والممرضات، ويهاجمون المقاهي ودور السينما والفنادق. اما عمليات خطف المواطنيين فقد شكلت جوا من الذعر والارهاب ومهاجمة من لا ينضم اليهم والقيام باختطافه او مهاجمة ومداهمة منزله؛ كما فعلوا مع الشيخ رفيفان الخريشة والعقيد زعل الرحيل والشيخ محمد المنور الحديد، وقتل العميد المتقاعد كامل عبد القادر. رغم ان بعض المواطنيين وزعماء العشائر قد انضموا فعليا للمنظمات او تعاطفوا معها، فقد التحق العقيد المتقاعد فناطل ثنيان من بني صخر بمنظمة فتح ولكن لم يلبث ان قتلته احدى المنظمات، كما هوجم ونهب منزل اللواء المتقاعد محمد احمد سليم في اربد.
وقد استهانت المنظمات بالنظام الاردني واستقوت على الحكومة وقامت بسلسلة من العمليات على اجهزة الحكومة الاردنية ومؤسساتها ورجالات الوطن وضيوفه ومنها: حادثة 28 ايار 1968 حيث قامت المجموعة 58 من منظمة الصاعقة السورية التابعة لقاعدة المشارع في وادي الاردن بتطويق مبنى قيادة شرطة العاصمة ومحاولة اقتحامة بالقوة وقد تمكنت قوة من الشرطة من هزيمتهم والقاء القبض على بعضهم.
وفي 26 تشرين الاول 1968 قامت مجموعة من الصاعقة السورية باختطاف الامير حسن الاطرش احد الزعماء السوريين والوزير السوري السابق المقيم في الاردن كلاجيء سياسي في تلك الفترة، وبعد اختطافه قاموا بتسليمه للسلطات السورية. وقد اعتبر هذا الحادث اعتداء خطيرا على سيادة الدولة الاردنية.
وفي 2 تشرين الثاني 1968 قامت مسيرات ضخمة في البلاد في ذكرى وعد بلفور، وقد استغلت منظمة كتائب النصر بقيادة طاهر ذبلان المسيرات لتحريض المواطنين ضد الحكومة، وقاموا بمهاجمة السفارة الاميركية وتمكنوا من انزال العلم الامريكي وتمزيقه، والحقوا الاضرار بالمحلات التجارية والسيارات. وقد تمكنت الحكومة في اليوم التالي من القاء القبض على طاهر ذبلان و12 شخصا من اعضاء منظمته، فقامت المنظمة بالرد فورا باعتقال بعض رجال الامن العام وجردوهم من اسلحتهم. وفي 4 تشرين الثاني اعتدوا على دورية عسكرية واعتدوا على الضابط والسائق واحد الجنود، وعندما طوقت الشرطة مقرهم اطلقوا النار على الشرطي سعيد حمد الله واردوه قتيلا. ثم قاموا باخراج المظاهرات واطلاق النار العشوائي، واشعل المتظاهرون النار في شوارع طلال والمحطة ووادي الحدادة، ولما لم يتمكن رجال الامن من السيطرة على الموقف استدعت الحكومة قوات من الجيش لاعادة النظام، وقد ادت الاشتباكات الى وقوع 26 قتيلا و112 جريحا بينهم 5 من رجال الجيش والامن و11 جريحا. فاضطرت الحكومة لفرض نظام منع التجول في عمان. كما قامت مظاهرات مماثلة في الزرقاء وقام عناصر من المنظمة بمهاجمة قيادة الشرطة في مخيم اللاجئين، ففرضت الحكومة نظام منع التجول في عمان والزرقاء، وعقد اجتماع بين المنظمات والحكومة في 5 تشرين الثاني 1968 اسفر عن تعهد بعدم تكرار الحوادث ورفع نظام منع التجول عن عمان والزرقاء.
وفي 6 تشرين الثاني عام 1968 عقد الملك الحسين اجتماعا مع عدد كبير من رجال الدولة واعيان البلاد شرح فيها ملاباسات الفتنة وجاء فيها: انني لا يمكن ان اسمح بان يطعن جيشنا من الخلف.. هنا دولة، هنا نظام، هنا قانون، ومن يخرج على القانون سيعاقب بشدة..
واضاف جلالته: واذا اجبرت ان اسحب جنديا واحدا من مواقعه التي يقف فيها في مواجهة العدو، فسوف اسحق نهائيا الوضع ومسببه بكل قوة” . كما عقد الحسين مؤتمرا صحفيا تحدث فيه عن الوضع.
وقد الفت الحكومة محكمة عسكرية للنظر في قضية طاهر ذبلان برئاسة اللواء رشيد عريقات وعضوية العميد عواد الخالدي والعقيد فيصل زريقات، بدات محاكماتها في 23 نيسان 1969 وقد مثل امامها 27 متهما، وثبت للمحكمة ان طاهر ذبلان اعتقل احد اعضاء منظمته وهو محمد غنيم وقام بتعذيبه حتى الموت، وفي 9 تشرين الثاني 1969 اصدرت المحكمة قرار الحكم الذي قضى باعدام طاهر ذبلان واثنين من رفاقه، ولكن رئيس الوزراء الحاكم العسكري العام انذاك بهجت التلهوني، طلب من المحكمة اعادة النظر في قرارها، فقامت في 25 اذار 1970 بالحكم بالسجن على طاهر سالم ذبلان ورفيقيه خليل محمود عيسى العموري وتوفيق اسماعيل القاطوري لمدة 15 عاما.
وفي 10 نيسان 1969 القى الحسين خطابا في نادي الصحافة بواشنطن اعلن فيه استعداد العرب للسلام وبتفويض من الرئيس جمال عبد الناصر مقدما عرضا من 6 نقاط، يتضمن اعادة الاراضي المحتلة عام 1967 واقامة سلام عادل ودائم وحل مشكلة اللاجئين، ولكن اسرائيل والمنظمات الفدائية عارضت خطة الملك للسلام بنقاطها الست. فقد اصدرت فتح وخمس منظمات فدائية بيانا في 14 نيسان بهذا الشان، وقد بدا من ذلك ان المنظمات اصبحت تمثل طرفا سياسيا على الارض الاردنية.
وقد زادت سطوة الفدائيين في الاردن حتى ان المراقبين الاجانب اطلقوا على الاردن عام 1970 اسم “دولة الفدائيين” والعاصمة عمان “عاصمة الفدائيين”. فكانت الدولة في صراع مع القوى المسيطرة على البلاد على اساس ان تكون او لا تكون.
وقد نفد صبر الحكومة في 10 شباط فقررت حفظ الامن والنظام منع بموجبه التدخل في حرية المواطنين وتعطيل رجال الامن واطلاق النار داخل المدن وتخزين المتفجرات في عمان، وحاولت منع المظاهرات ومنع النشرات والصحف والمجلات التي تصدر دون ترخيص ومنع النشاطات الحزبية.
وقد عارضت المنظمات فورا اجراءات الحكومة واجتمعت تحت شعار: “حماية الثورة” واصدرت بيانا مشتركا قالت فيه ان قرار الحكومة يهدف الى القضاء على العمل الفدائي، واعلنت انها ستقاوم اجراءات الحكومة بالقوة والفت المنظمات قيادة موحدة لها، واخرجت عناصرها المسلحة الى الشوارع واخذت سيارات المنظمات المسلحة تجوب الشوارع وعليها المدافع الرشاشة بصورة لم يسبق لها مثيل، وقاموا بسد الطرق والشوارع، واقاموا الحواجز والمتاريس وحفروا الخنادق، وكثفوا اعتداءاتهم على رجال الامن والجيش واطلقوا النيران على المخافر، واصبحت البلاد على وشك الانفجار وقد اسفرت الاشتباكات عن استشهاد 6 عسكريين وجرح عشرة واختطاف 10 سيارات للجيش والحكومة والدفاع المدني ومحاصرة قيادة قوات البادية واقتحام مخفر الوحدات. وبعد اجتماع للحكومة مع قادة المنظمات اعلنت الحكومة تجميد قرارها، حتى لا تصتدم مع المنظمات. وفي 18 شباط اعترفت المنظمات بالتجاوزات على امن البلاد ودعت لتصحيح الاخطاء ودعت الى “الانضباط الثوري”، وفي 23 شباط قدم اللواء محمد رسول الكيلاني وزير الداخلية استقالته من منصبه.
والغت واشنطن زيارة جوزيف سيسكو وزير خارجيتها للاردن بناء على نصيحة من السفير الاميركي في عمان، فطلبت الحكومة من واشنطن سحب سفيرها من عمان فسحبته. وقامت العراق بصب الزيت على النار المشتعلة ففي ايار 1970 زار الاردن ثلاثة من ابرز رجال الحكم العراقيين وهم عبد الخالق السامرائي وزيد حيدر وصالح مهدي عماش وزير الداخلية العراقي بزيارة الى الاردن واجتمعوا مع ياسر عرفات وصلاح خلف وقالوا لهما: “نظموا محاولة انقلاب لقلب نظام الحكم الملكي، بدعم القوات العراقية المرابطة في الاردن بحيث تستولي القوات العراقية على اربد والزرقاء وتستولي المنظمات على عمان.
وفي 6 حزيران 1970 قامت العناصر الفدائية بسلب سلاح جندي من القوات الخاصة، وعندما قاومهم عمدوا الى قتله. واقدمت عناصر من الجبهة الشعبية الى اختطاف بعض ضباط الجيش، واختطاف السكرتير الاول في السفارة الاميركية، واطلاق سراحه في اليوم التالي.
واطلقت النار على الميجور روبرت بيري الملحق العسكري الاميركي في عمان وقتله في منزله، واطلاق النار على سيرات الشرطة العسكرية مما ادى الى مقتل ثلاثة جنود واصابة اثنين. مما اضطر رجال الجيش للبس الثياب المدنية في اجازاتهم . كما قامت الجبهة الشعبية بمهاجمة سجن عمان لاطلاق سراح عدد من رفاقهم.
وفي 9 حزيران 1970 نصب رجال المنظمات كمينا لموكب الملك الحسين في منطقة صويلح واطلقوا النار بالبنادق والقنابل اليدوية على موكب الملك، مما تسبب في استشهاد احد افراد الحرس الخاص، وجرت محاولة للاعتداء على السفارة المصرية في عمان والاستيلاء على اجهزتها اللاسلكية، وتم الاستيلاء على اكبر فندقين في عمان وهما فندق الاردن وفندق فيلادلفيا وحجز نزلائهما من الاجانب، وقامت المنظمات بمهاجمة العديد من المنازل مما ادى الى مقتل العديد من الناس، وهاجمت المنظمات منزل عائلة الشريف شاكر بن زيد مما ادى الى مقتل الشريفة موزة بنت شاكر شقيقة الشريف زيد بن شاكر، واحتلت المنظمات عددا من وزارات ودوائر الحكومة الاردنية منها مبنى وزارة التربية والتعليم ووزارة الزراعة ونهبوا محتوياتهما واستولوا على عدد كبير من سيارات الحكومة والاهالي واشعلوا النار في عدد منها، وتم تعطيل سيارات واليات امانة العاصمة، وتعطيل الصحف عن الصدور وقطع اسلاك الهاتف والكهرباء، وفي الزرقاء اشعل الفدائيون النيران في مركز الامن العام بعد نهب محتوياته، وكذلك محكمة الزرقاء واحرقوا اوراق المحاكمات والدعاوى والاثاث، وحرقوا سيرات الاسعاف ونهبوا نادي الضباط واعتقلوا عدد من ضباط الجيش وضابطا من البعثة العسكرية الباكستانية في عمان.
وقد هجوم الاردن اعلاميا من قبل اذاعات دمشق والقاهرة وبغداد واذاعة فتح وصحف المنظمات متهمين الحكومة الاردنية بالعمالة والخيانة. واشعل المتظاهرون النيران في السفارة الاردنية في بيروت.
وقامت الجبهة الشعبية باحتجاز حسن الكايد وزير الداخلية السابق وحققت معه، وقامت بعض عناصر الفدائيين باحتجاز الزعيم احمد عبيدات مساعد مدير المخابرات العامة ولم تطلق سراحه الا بعد تدخل ضباط سابقين يعملون مع منظمات فدائية.
وفي 9 حزيران 1970 اجتمع الملك الحسين بياسر عرفات واتفق بحضور رئيس الاركان العراقي على وقف اعمال العنف وعقد هدنة، الا ان الهدوء لم يصمد حيث قامت الجبهة الشعبية بتصعيد الموقف. مما جعل الملك الحسين يوجه نداء لاهل البلاد في 11 حزيران يحذرهم من الفتنة، ولكن احدا لم يستمع الى نداء الملك، وطالب الفدائيون ان تتم اقالة الفريق ناصر بن جميل قائد الجيش خال الملك واللواء الشريف زيد بن شاكر ابن عمه قائد سلاح الدروع، ودعت اذاعة العاصفة الى اخراج وصفي التل والشريف ناصر ومحمد رسول الكيلاني من البلاد.
ووجه الملك رسالة الى القوات المسلحة حول طلب المنظمات وشروطهم القاسية وقال مستجيبا لطلب المنظمات ان تخليهما عن منصبيهما ربما يؤدي الى عودة الحياة الى طبيعتها بعد ان الحا على الحسين هما اذا كان ذلك يحقق الامن في البلاد، وقال الملك الحسين: “انها الفرصة الاخيرة لا فرصة بعدها”. والا فساجدني مضطرا لوضع الامور في نصابها وانقاذ الناس مما هم فيه من بلاء.
وقد لقي اعفاء القائدين الكبيرين الشريفين ناصر وزيد من منصبيهما معارضة قوية من قبل القوات المسلحة الاردنية، وساد شعور ان الجيش تعرض للاهانة، فتحرك اللواء المدرع من مواقعه في الاغوار الى العاصمة عمان وقد اعترض الملك طريقهم واقنعهم بعد جهد جهيد ان يعودوا الى مواقعهم، كما قامت بعض وحدات الجيش بالاضراب عن تناول الطعام.
وفي 12 حزيران 1970 حاول الفدائيون من منظمتي فتح والجبهة الديموقراطية الاستيلاء على الاذاعة الاردنية ولكنهم اخفقوا في محاولتهم.
ووصل الى عمان الفريق صالح مهدي عماش نائب رئيس جمهورية العراق وعبد العزيز بو تفليقه وزير خارجية الجزائر وتحادثا مع الملك والمنظمات وتوصلا الى تاليف لجنة للوصول الى تفاهم بين الطرفين تكونت عن الجانب الاردني من رئيس الوزراء عبد المنعم الرفاعي واللواء مشهور حديثة رئيس الاركان واللواء زهير مطر مدير الامن العام والزعيم غازي عربيات مدير الاستخبارات العسكرية والزعيم مضر بدران مدير المخابرات العامة، ومثل جانب المنظمات الفدائية كل من؛ ممدوح صيام (ابو صبري)، وعصام الصرطاوي، واحمد اليماني (ابو ماهر) وصالح رأفت. وقد توقفت الاشتباكات يوم 14 حزيران 1970 ، بعد مقتل 93 شخصا من المدنيين خلال اسبوع واحد ، واستشهاد 27 من رجال الجيش والشرطة ووقوع 457 حالة نهب وسلب لمنازل افراد القوات المسلحة وسرقة واختطاف 332 سيارة معظمها حكومية، وترحيل 500 اجنبي من عمان الى بيروت.
وقد نقل الصحفيون الاخبار من عمان في تقاريرهم التي تفيد ان معظم احياء العاصمة تحت سيطرة الفدائيين، وذكر مراسل الديلي تلغراف انه توجد في الاردن اربع حكومات ولم يبق خارج سيطرة الفدائيين الا الاحياء الشمالية والمطار والقصور الملكية اي 20% من المدينة.
ومن جانب المنظمات قاموا بتشكيل لجنة متابعة موحدة من ستة اعضاء هم: ياسر عرفات عن فتح وجورج حبش عن الجبهة الشعبية ونايف حواتمة عن الجبهة الديموقراطية وضافي الجمعاني وعصام الصرطاوي عن المنظمات الاخرى وكمال ناصر عن منظمة التحرير. وقد اصدرت اللجنة بينا مطولا وجهت فيه التهمة لما اسمته العناصر المتمردة والمعادية للشعب والتي تشغل مراكز حساسة وفعالة في مؤسسات الدولة ، اي اهم العناصر في الحكومة. وعند نشر البيان في جريدتي الدفاع والدستور اغلقتهما الحكومة بسبب الاكاذيب التي انطوى عليها البيان.
وفي 17 حزيران عقد الملك الحسين مؤتمرا صحفيا بين فيه انه اصدر الامر للجيش بعدم دخول العاصمة، للحفاظ على ارواح المواطنين والفدائيين، وقد استمرت المنظمات في تحديها للسلطة فكانت تصفها بالرجعية والعميلة.
وفي 27 حزيران 1970 استقالت حكومة بهجت التلهوني وتالفت الوزارة برئاسة عبد المنعم الرفاعي علها تستطيع التفاهم مع المنظمات، بعد ان اعتذر عبد الوهاب المجالي عن تأليف الوزارة بعد ان تمكن من استقطاب بعض القريبين من المنظمات في الوزارة وهم الشيخ عبد الحميد السائح والدكتور داوود الحسيني وانطون عطالله وسليمان الحديدي ولكن الوزراء المكلفين الاربعة ربطوا موافقتهم بموافقة ياسر عرفات الذي قال ان المجالي لا يناسب هذه المرحلة فاعتذروا للمجالي الذي قام بالاعتذار للملك الحسين بعدم امكانه تشكيل الحكومة، بعد ان هددت بعض المنظمات بمقاومة حكومة المجالي بالسلاح فكلف الحسين الرئيس الرفاعي فنجح في تشكيل الوزارة بموافقة اللجنة المركزية للمنظمات وقد اطلق عليها الحسين اسم “وزارة الفدائيين”
2- قبيل الانزلاق الى الهاوية
اشترك زعماء 13 دولة عربية في احتفال ليبيا بجلاء اخر جندي اميركي من قاعدة عقبة بن نافع (ويلس) خلال الفترة من 20-22 حزيران 1970، وقد شرح الحسين للزعماء العرب اسباب الازمة في الاردن بين الحكومة والفدائيين، وكيف تعمل المنظمات المتطرفة على اثارة المشاكل، مبينا ان الاردن يستطيع قبول فدائيين في الاغوار وليس في مدينة عمان والمدن الاردنية الاخرى، وقد اتفق المجتمعون على تأليف لجنة رباعية من ممثلين عن مصر والجزائر وليبيا والسودان للتوسط بين الطرفين، وقد تألفت اللجنة من كل من قائد صبري من الجزائر، وحسن صبري الخولي من مصر، ومأمون عوض ابو زيد من السودان، ومحمد نجم من ليبيا.
وصل اعضاء اللجنة العربية الرباعية الى عمان في 26 حزيران 1970، واجتمعوا مع ممثلي الاطراف، وقد قال عرفات امام اللجنة: “جئنا الى عمان لحماية امن الثورة” واكد ان اكثر من نصف السكان من الفلسطينيين. وقد عقدت اللجنة اتفاقية في 10 تموز 1970 تتألف من 16 بندا. وقع الاتفاقية عبد المنعم الرفاعي رئيس الوزراء وياسر عرفات رئيس اللجنة المركزية واعضاء اللجنة العربية؛ وقد نصت الاتفاقية على عدم اتخاذ اي عمل يمس “سيادة الدولة” وان لا يحمل الفدائيون اسلحتهم في المدن والاماكن العامة، الا ان الاتفاقية لم تنفذ على ارض الواقع لتفاقم الامر مجددا. وفي 27 تموز 1970 شبت المظاهرات في عمان واصرت اللجنة المركزية على ان يرفض الاردن مقترحات روجرز، وفي 29 تموز اعلنت العراق ان جميع القوات العراقية المرابطة في الاردن وعددها 17 الف رجل وضعت تحت تصرف المنظمات.
وزار عرفات مصر والسعودية؛ حيث اخذ الرئيس جمال عبد الناصر يلوم المنظمات على اعمالها في الاردن وقال لعرفات: “ان الملك الحسين تعرض للكثير منكم”، وقال لهم: “لا بد ان ينطلق النضال ضد العدو من خط وقف اطلاق النار وليس من عمان”. فتنصل عرفات من مسؤوليات واتهم المنظمات الاخرى التابعة لسورية والعراق بانها هي التي تقوم باعمال الاستفزاز.
وفي 2 اب 1970 اعاد الحسين اللواء زيد بن شاكر الى القوات المسلحة ليتولى منصب نائب رئيس هيئة الاركان، فاعتبرت المنظمات هذا الاجراء مخالفا لاتفاق 10 تموز 1970. واعلنت المنظمات رفضها لاتفاقية وقف اطلاق النار. واجتمع في 5 و6 اب 1970 بعض وزراء الخارجية والدفاع العرب في طرابلس بليبيا، وانتهت الاجتماعات دون صدور بيان.
وفي 14 اب 1970 اعلن ياسر عرفات في خطاب له؛ ان الجيش حشد اربعة الوية حول عمان، وانذر الاردن قائلا: “اننا سنقلب هذه البلاد الى قبور لجميع الذين يعدون المكائد، وان هذه البلاد ستبقى هانوي الثورة الفلسطينية”. وقد نشطت وسائل المنظمات في صب النار على الزيت، واصدرت منظمة الانصار جريدة “صوت الجماهير” واصدرت منظمة الصاعقة “جريدة الطلائع”، واصدرت الجبهة الديموقراطية “جريدة الشرارة” وحملت كلها راية التطرف.
وفي 26 تموز 1970 بدات المنظمات بتصعيد الاحداث؛ حيث قامت جماعات من الفدائيين بهجوم على سيارة للامن العام، وسلبوا رواتب افراد مستودعات الامن العام والبالغة 3425 دينارا من الملازم ربحي النابلسي بعد ان اصابوه بجراح، ثم هاجموا سيارة نجدة للشرطة واستولوا عليها وعلى سلاح افراد الدورية، واغلق الفدائيون الطرق في عمان. وفي 28 تموز هاجم افراد الجبهة الديموقراطية البريد الآلي بالرشاشات والصواريخ، وفي 30 اب هاجم الفدائيون قيادة الشرطة ومديرية الامن العام والمخابرات العامة ومخفر المهاجرين واعتقلوا قائده.
وخلال الفترة من 27-28 آب 1970 عقد المجلس الوطني الفلسطيني مؤتمره في عمان. ونشرت جريدة فتح بيانا يوضح موقف المنظمات فقالت: “اذا ارادت السلطة الصدام فانه حتما سيكون الصدام الاخير، وفي اليوم التالي كان عنوانها: “عمان تتحدى الجلادين”.
وفي 1 ايلول 1970 اطلق مسلحون النار على موكب الملك الحسين في طريق عين غزال قرب مقطع سكة الحديد، بينما كان الملك في طريقه الى المطار لاستقبال كريمته الاميرة عالية، ولم تهبط الطائرة في المطار بل عادت الى القاهرة.
وفي مساء 1 ايلول 1970 بعثت الحكومة العراقية انذارا للحكومة الاردنية؛ على شكل مذكرة، جاء فيها: “انه في حال عدم توقف اطلاق النار على الفدائيين فلن يكون بوسع الحكومة العراقية منع افراد من القوات العراقية من التدخل لمصلحة الفدائيين”. ورفض الاردن التحذير الذي وجهته حكومة العراق.
وفي 2 ايلول 1970 عقدت في عمان “ندوة فلسطين العالمية” افتتحها ياسر عرفات بخطاب استهله بقوله: “انني اشعر بالفخر لعقد هذه الندوة، ليس في ظلال هذه السلطة المرتبطة ارتباطا وثيقا بالمخابرات المركزية الاميركية، ولكن في ظل بنادق اخوانكم الثوار”. وفي 2 ايلول بعث عرفات برقية لمؤتمر المحامين في الجزائر وصف فيها الدولة الاردنية بانها “السلطة العميلة”. وانها تتحرك لتنفيذ مخططها المجرم.
وفي 3 ايلول 1970 اجتمع مجلس الامة الاردني مع رئيس الوزراء عبد المنعم الرفاعي وياسر عرفات وعدد من اعضاء اللجنة المركزية من اجل المساعدة في تخفيف حدة التوتر، الا ان اعضاء اللجنة حذروا الحكومة والجيش قائلين: “سوف نحمي انفسنا، وسنسحق كل من يحاول سحقنا اذا لم ينسحب الجيش”.
وفي 5 ايلول 1970 توصل الطرفان الى اتفاق ينص على سحب الجيش الاردني من ضواحي المدينة ؛ مقابل اخلاء الشوارع من المقاتلين الفدائيين. واجتمع مجلس الجامعة العربية في القاهرة في نفس اليوم، وقرر احياء اللجنة العربية بتأليف لجنة خماسية من ممثلين عن الجزائر وليبيا ومصر والسودان والجامعة، ووصلت اللجنة الى عمان برئاسة امين طاهر شبلي ممثل السودان، فابرمت اتفاقا جديدا في 8 ايلول على اساس وقف اطلاق النار، واخلاء شوارع عمان من المسلحين، وايقاف الحملات الاعلامية. ولكن الفدائيين لم يتوقفوا عن الاعمال الاستفزازية.
وفي 6 ايلول 1970 فوجئ العالم بقيام الجبهة الشعبية باختطاف ثلاث طائرات ركاب مدنية؛ اثنتان اميركيتان وواحدة سويسرية على متنها 393 راكبا و32 ملاحا، فيما فشلت محاولة اختطاف طائرة اسرائيلية في بريطانيا، وتم تحويل اثنتين منها للهبوط في البادية الاردنية في “قيعان خنة” والذي اطلق الفدائيون عليه اسم “مطار الثورة” اما الطائرة الثالثة الاميركية فقد تم تحويلها الى مطار القاهرة كونها من نوع جامبو، وتم تفجير الطائرة في القاهرة فيما بعد.
كما قام الفدائيون في 9 ايلول 1970 باختطاف طائرة ركاب بريطانية وهبطوا بها في المطار الصحراوي، فقامت القوات الاردنية بمحاصرة الموقع، إلا ان الفدائيين هددوا بتفجير الطائرات اذا اقترب الجنود. وتم نقل الشيوخ والاطفال والنساء من الطائرات الى فندق الاردن، وطالبوا بان تطلق سويسرا سراح ثلاثة فدائيين في سجونها، وان تطلق بريطانيا سراح ليلى خالد التي اخفقت ورفيقها في خطف الطائرة الاسرائيلية، وان تطلق المانيا سراح ثلاثة فدائيين. وقد تساءل الجميع: “هل فقدت السلطات الاردنية السيطرة على اراضيها”؟؟؟.
فيما طالب العالم باطلاق سراح الركاب والملاحين، ودعت العراق المنظمات لاطلاق سراح المحتجزين، ولكن الجبهة الشعبية عمدت لتدمير الطائرات ونسفها حين لم تطلق الدول سراح الفدائيين من سجونها، ثم تم ترحيل الركاب الى قبرص، باستثناء 54 منهم بقوا لدى الجبهة الشعبية، وقد خشيت المنظمات من عملية انزال امريكي بعد تحذير الرئيس نيكسون لخاطفي الطائرات.
وفي 9 ايلول ازداد التوتر؛ فمنح الملك الحسين الفريق مشهور حديثة صلاحيات كاملة للتعامل مع الجيش، وقد اصدر الفريق امره الفوري بوقف اطلاق النار، وكذلك فعل عرفات.
وفي 14 ايلول 1970 اجرى الملك حديثا مع صحيفة “لوفيغارو” بين فيه عدم التزام الفدائيين بالاتفاقات، وقال: “ان الجيش مضطرب جدا.. لقد تحملوا الكفاية.. لم يتعودوا قط ان يكونوا محتقرين ومهانين ومستفزين.. وان ضباطا نزعوا شاراتهم العسكرية” واضاف الحسين: “حاولت منع بطارية مدفعية كانت تتجه الى عمان، ولم يتوقفوا” وقال الملك: “عندما حاولت ايقافهم راحت الشاحنات تدفعني الى حافة الطريق حتى كدت اقع في المنحدر الى ان تمكنت بصعوبة من ايقافهم”.
وتأزم الموقف وتدهور واخذ المراسلون في عمان يصفون الحالة في عمان وكانهم في “ساحة معركة” وقالوا: لم تبق هنا سلطة”.
وفي 14 ايلول 1970 اعلن “المجلس الاعلى للاتحادات” عن تنفيذ اضراب عام وشامل لكافة مستخدمي الدولة والعمال والقطاع الخاص في 19 ايلول 1970، على شكل عصيان مدني باشتراك 11 اتحاد ونقابة، بحيث تتوقف الحركة في انحاء البلاد، كما اعلن الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين عن بدء اضراب لجميع اعضاء الهيئة التدريسية، وقد نفذ الاضراب فعلا في اربد، واعلن ياسر عرفات اربد منطقة محررة، واعلنت جريدة فتح ان الاضراب لن يتوقف الا بعد تشكيل “سلطنة وطنية” ورفض مقترحات روجرز وقرار مجلس الامن 242.
وامام هذا الوضع المتدهور عهد الحسين الى عاكف الفايز القريب من المنظمات لتأليف الوزارة الجديدة، إلا ان عاكف الفايز اعتذر عن القيام بتلك المهمة.
وفي 15 ايلول 1970 أعلن الحسين بعد مشارورات مع عدد من العسكريين في الحمر؛ عن تشكيل حكومة عسكرية برئاسة الزعيم محمد داؤود، فاستقال اللواء مشهور حديثة الجازي رئيس اركان الجيش العربي، واصدر الملك امرا بتعيين المشير حابس المجالي قائدا عاما للقوات المسلحة الاردنية. وتكونت الحكومة العسكرية من كل من: الزعيم مازن العجلوني، اللواء مطلق عيد، الزعيم صالح الشرع، الزعيم ابراهيم ايوب، الزعيم فهد جرادات، الزعيم عواد الخالدي، العقيد الدكتور يعقوب ابو غوش، المقدم عبد الله صايل الخريشة، الرائد مفلح العودة الله، الرائد ابراهيم صايل الحسبان، الرائد عدنان ابو عودة. وقد بدات الوزارة العسكرية عملها بتعيين المشير حابس المجالي حاكما عسكريا عاما.
وقد اصدر الحاكم العسكري العام المشير حابس المجالي قرارا بتعيين حكاما عسكريين لمناطق البلاد كما يلي: الزعيم مازن العجلوني نائبا للحاكم العسكري العام، اللواء قاسم المعايطة حاكما عسكريا للكرك والبلقاء، العقيد كاسب صفوق الجازي حاكما عسكريا للعاصمة، الزعيم بهجت المحيسن حاكما عسكريا لاربد، الزعيم محمد ادريس حاكما عسكريا للزرقاء، الزعيم سالم عودة النجادات حاكما عسكريا لمعان.
وقد راى الحسين انه لا مجال الا لاعادة هيبة الدولة وفرض سيطرتها على انحاء البلاد، وقد باشر رئيس الحكومة العسكرية بالاتصال بامين طاهر شبلي رئيس اللجنة الخماسية العربية، من اجل تطبيق اتفاقيتي 10 تموز 015 ايلول، واتصل رئيس الحكومة العسكرية بياسر عرفات وقال له: “اناشدك باسم القدس التي قاتلت وجرحت فيها عام 1948 ان نجتمع لكي نضع حدا لهذه المشكلة”. والح عليه ورجاه للاجتماع لاكثر من نصف ساعة للحيلولة دون سفك الدماء، وقد وعد عرفات بالرد وجاء الرد على لسان احمد اليماني (ابو ماهر) عضو اللجنة المركزية عن الجبهة الشعبية، بعدم امكانية تلبية طلب الحكومة العسكرية للاجتماع، وفي اليوم التالي اتصل رئيس اللجنة الخماسية العربية مع رئيس الوزراء وقال انه لم يستطع اقناع زعماء المنظمات بالحضور للاجتماع.
وقد زار الأمير زيد بن الحسين الاردن خلال هذه الفترة، وكان في ذلك الوقت مقيما في بغداد، واستقبل الملك حسين الأمير زيد، الذي كان في ذلك الوقت في الثانية والسبعين من عمره، في المطار واصطحبه إلى قصر الندوة. وقد اندلع القتال بين الجيش الأردني والفدائيين (المنظمات الفلسطينية) في اليوم التالي لوصول الضيف الملكي، وتعيّن عليه البقاء داخل القصر لفترة عشرة أيام، توفرت له الفرصة خلالها في الوقوف عن كثب على كيفية تعامل الملك حسين مع الجيش والحكومة وترتيبات وقف إطلاق النار مع منظمة التحرير الفلسطينية. تركت تلك التجربة انطباعا ايجابيا لدى الأمير زيد عن الملك الشاب، وهو يحاول معالجة الأوضاع في خضم المشاكل والضغوط والتحديات التي كانت تواجه البلاد خلال تلك الفترة. وابلغ الأمير زيد قبل مغادرته الاردن ابنه رعد بأنه يعتبر الملك حسين العضو الأكثر أصالة واقتدارا وشجاعة في الأسرة الهاشمية وأعظم زعيم وسط ملوك الأسرة الهاشمية.
وفي صباح يوم 16 ايلول 1970 وجه الحسين خطابا الى ابناء الوطن دعا فيه الى الوحدة الوطنية، واشاد بوقفة الفدائيين مع الجيش الاردني في معركة الكرامة، وقال: “لقد مكنا للمقاومة منذ البداية وحميناها.. لتنمو وتقوى ولا نريد ان نصفيها”.
وكان الرد ان اجتمع ياسر عرفات مع اعضاء اللجنة التنفيذية في جبل الحسين واعلن توحيد صفوف المنظمات، وتم اختيار ياسر عرفات قائدا عاما لجميع قوات الفدائيين والعميد عبد الرزاق اليحيى رئيس اركان له، ومنذ تلك اللحظة اخذ عرفات يوقع بياناته تحت اسم: “القائد العام لقوات الثورة”. ودعا عرفات عبر “صوت العاصفة” الى الاضراب العام “الى ان يسقط ما اسماه “الحكم العسكري الفاشي” ويتحقق الحكم الوطني.
وقد قام ياسر عرفات القائد العام لقوات الثورة بتقسيم عمان الى ثماني مناطق عسكرية كلف كل منظمة بالمسؤولية عن منطقة، وحدد للمنظمات مسؤولياتها ومناطقها، وهي كما يلي: فتح، الجبهة الشعبية، الصاعقة، جبهة التحرير العربية، الجبهة الديموقراطية، جبهة النضال الشعبي، منظمة فلسطين العربية، الجبهة الشعبية/ القيادة العامة. كما نسق مع جيش التحرير وقوات التحرير الشعبية. وطلب عرفات من الميليشيات الشعبية تسليم اسلحتها للمنظمات التي جندتها وسلمتها الاسلحة.
في الحلقة المقبلة سنتناول المعركة الفاصلة التي خاضها الجيش الاردني مع الفدائيين لاعادة السيطرة على عمان والمدن الاردنية الاخرى. والغزو العسكري السوري لشمال الاردن، رغم استمرار مؤتمرات القمة والوساطات العربية.
*** نحن نؤرخ لهذه الاحداث من اجل الحقيقة.. فقد صورت على غير مجراها في العالم العربي والعالم كله.. وكنت اظن ان عمان دمرت نهائيا.. ولكن الحقيقة غير ذلك.