صراحة نيوز – عوض ضيف الله الملاحمه
بداية أرجو من القراء الكرام ان يعتبروا مقالي هذا شطحةً ، او شروداً ، او هروباً من الواقع ، او مقاربة ، او مقارنة بين حالة شعبين شقيقين مُبتليين ، إبتلاءاً محوره المعاناة ، ودليله تحبيذ الهجرة والسعي لها بكل الطرق المُتاحة ، على إعتبار انها وسيلة للهروب من المعاناة وضنك العيش ، وقسوة الحياة ، وإنعدام العدالة ، الذي أدى لإنعدام الفُرص ، وإنتفاء الحياة الكريمة .
بالنسبة للفلسطينيين فإنهم يحترفون الهجرة قسراً ، وليس إختياراً ، بسبب سلب وإحتلال وطنهم فلسطين ، لذلك فان الفلسطيني يعتبر ان كل اقطار العالم عنده سواء ولا تمييز بين التجنس بجنسية اي دولة من دول العالم ، لأنهم يعتبرون انهم ما داموا قد فقدوا وطنهم فلا فرق بين دول العالم كلها . فهي هجرة قسرية ، وغربة إضطرارية ، أُجبِروا عليها .
أما بالنسبة للأردنيين ، وبما ان وطنهم الأردن لم يتم سلبه وإحتلاله حتى الآن — من نفس العدو — فإنهم بدأوا يعشقون الهجرة ، ويخططون لها ، ويسعون اليها بكل الطرق المتاحة ، لدرجة انهم اصبحوا ينافسون الفلسطينيين ، مع إختلاف الدافع او السبب للهجرة . الأردني بدأ يسعى للهجرة ويدفع الغالي والنفيس مادياً ومعنوياً ، حتى يُهاجِر ، لأنه يود الهروب من وطنه الذي تخلى عن تقديم حقوقه المكتسبة ، فوطنه أصبح شَرِهاً في الإنقضاض على دخله ومدخراته دون ان يُقدِّم شيئاً لا بل إن الأمر وصل حَدَّ إمتهان كرامته الشخصية لأنها أصبحت غير مُصانه ، كما ان غياب العدالة ضيّع كل الحقوق التي إستفرد بها شِلّة طامِعة جشِعة لا بِتحَلِّلْ ولا بِتحَرِّمْ .
فالفلسطيني هاجر ، واغترب ، وغادر وطنه قسراً بسبب الإحتلال . والأردني إغترب ، وهَجَرَ وطنه بسبب الفقر ، والقهر ، والتهميش ، وضيق سُبل الحصول على لقمة العيش ، وغِياب العدالة .
مع إختلاف أسباب الهجرة بين الطرفين الّا إنني أرى أنه لا فرقاً كبيراً بينهما . لا بل إنني أميل الى إعتبار هِجرة الأردنيين أكثرَ قساوة . وقد يقول قائل لماذا !؟ أقول : لأن الفلسطيني هاجر بسبب إحتلال وطنه من قبل عدو مُحتل ، بينما الأردني هاجر من وطنه بسبب جحود وطنه لحقوقه المكتسبة ولأن الوطن تمت إستباحته ونهبه من قبل الفاسدين من أبناء جلدته . فغابت الحقوق بغياب العدالة مع أن الأردني من أكثر شعوب العالم إنتماءاً وعطاءاً لوطنه . ومع ذلك تمكنت شِلّة من بضع مئات من الفاسدين من نهبه وحرمان الأردني من حقوقه ، وغابت الحقوق بغياب العدالة .
الخلاصة ان الفرق ليس كبيراً بين هجرة الفلسطينيين ، وهجرة الأردنيين ، لأن النتيجة هي مغادرة وطنه الذي يحبه ويعشقه وينتمي اليه . والهجرة موت ، بسبب الغُربة ، والغياب عن الأهل والأصدقاء والأقارب ، وإفتقاد شمّ رائحة تراب الوطن ، وتكحيل العيون بسمائه ، يُضاف الى ذلك الإضطرار قسراً للتعايش في بلد يختلف قليلاً او كثيراً في عاداته ، وتقاليده ، وأنظمته ، وقوانينه ، وحتى بيئته ، وعليه الإنصياع ، والتأقلم . وكل غُربة لها أثمان كثيرة وليس ثمناً واحداً ، ولك أن تتصور أن تفقد أحد والديك او كليهما او أحد إخوتك او أخواتك او أحد الأقارب او الأصدقاء وأنت في غربة ، ستبقى تتجرع مرارة الفقد ما دمت حياً . وهذا التقييم مصدره خِبرة تقارب الربع قرن قضيتها في غربتي القسرية عن وطني بين الدراسة والعمل . وأظن أننا سوف نتساوى مع أشقائنا الفلسطينيين في أسباب الهجرة وأهدافها في زمن أقصاه عقداً من الزمان . وربما يُسرِّع التضييق على الأردنيين بإقرار مجموعة القوانين الجائرة مثل مشروع قانون الجرائم الإلكترونية ، ومشروع قانون الملكية العقارية بالتفكير جدياً بالهجرة وتحبيذ الغربة على البقاء في وطن يزيدك فقراً وقهراً وضياعاً لسيادة وطنك الذي تحب .