صراحة نيوز – عوض ضيف الله الملاحمه
يُعتبر العطاء من أرقى الصفات التي يمكن ان يتصف بها الإنسان . وللتحديد أقول : إن تقديم العون والمساعدة للعائلات المستورة هو أرقى عطاء يمكن ان يُقدِّمه الإنسان لأخيه الإنسان . ويتسم العطاء بالرقي عندما يتم توجيهه لِمُستحقيه ، حسب الأولويات الإنسانية ، وأكثرها ضرورة .
لكن هذا العطاء بدأ بالتراجع بشكل ملحوظ لحساب ظاهرة دخيلة ، مُقلِقة ، ومُكلفة جداً ، تتمثل في التباهي بتربية الكلاب والقطط ، بقصد التفاخر ، والإنتساب لطبقة الأثرياء . حيث أصبحنا ننساق ، ونُقلِّد الغرب بعاداتهم السيئة ، المقيتة ، المُنحرِفة أحياناً ، مثل المثلية وغيرها . ويا ليتنا نُقلِّدهم بتقدمهم الصناعي والعلمي .
يُحزنني كثيراً ، ما أراه ، وما أسمعه عن إفراط بعض فئات المجتمع الأردني في تربية الحيوانات الأليفة ، والبذخ عليها بسخاء يبعث على الإستهجان والسخرية ، ويدل على البعد عن العقلانية والمنطق في تَكبُّد كُلفٍ عالية لتربية الكلاب والقطط المنزلية تحديداً . تصوروا ان تربية هذه الحيوانات تتطلب كُلفاً عالية تتمثل في توفير غذاء خاص ، ومعالجات طبية خاصة ، وإكسسوارات خاصة ، ونوادٍ للإستحمام ، وفنادق للإستجمام ، والعناية بها وتجميلها . لدرجة ان الحيوان الأليف الواحد يُكلِّف مئات الدنانير شهرياً ، حسبما سمعت .
تقليد الغرب في تربية الحيوانات والبذخ عليها ، شيء مُعيب ، لا يتناسب مع مجتمعنا ، لأن الهدف من التربية يختلف ، ففي الغرب يلجأون لتربية الحيوانات الأليفة بسبب معاناتهم من الوحدة ، وغياب الروابط العائلية ، والإجتماعية .
والدليل على زيادة الإقبال على تربية الحيوانات الأليفة والبذخ عليها ، يتمثل في كثرة المحلات المتخصصة في متطلباتها . وسأذكر لكم مثالاً تابعته في منطقة سُكناي ، حيث كان هناك مكتبة رائعة تتوافر فيها كافة مستلزمات الطلبة والأطفال ، وصاحبها رجل لطيف وأُنشأت هذه المكتبة قبل أكثر من ( ٣٠ ) عاماً . وفوجئت قبل مدة بأن المكتبة أغلقت أبوابها ، بسبب تراكم الخسائر ، وافتُتِح مكانها محل لبيع مستلزمات الحيوانات الأليفة . ولكم ان تتصوروا فخامة الديكورات الخارجية للمحل ، أما الديكورات الداخلية فلم أُشاهدها . وهذه الكُلفة الباهظة دليلٌ على ان نسبة المبيعات عالية ، والأرباح خيالية !؟
حتى بدايات سبعينات القرن الماضي ، حيث كنت أعيش في قرية زحوم بمحافظة الكرك ، وكان والدي رحمة الله عليه ما زال فلاحاً ومربي أغنام كأقرانه من أبناء عمومته ، ورجالات القرية عامة ، كان لدينا عدداً لا يقل عن خمسة گلاب ، اربعة لمرافقة قطيع الأغنام ، كُنا نُسميها ( گلاب الراعي / أي Shepherd Dogs ) ، بينما في نيوزيلاندا التي كنت أنوي الهجرة الدائمة اليها ، يسمونها گلاب الغنم ( Sheepdogs ) ، وكلبٌ خامس رابض أمام بيتنا الكبير . وكان يتم إطعامها من خبز الشعير ، وليس خبز القمح ، وتبين الآن ان خبز الشعير صحيّ ومفيد أكثر من خبز القمح . كما كان يتم تربية قطٍ او إثنين لالتقاط الحشرات والزواحف والفئران والأفاعي ، وكانت تتغذى على فُتات الطعام . لكن بيت والدي في القرية يخلو الآن من أية حيوانات اليفة .
قرأت عدة لافتات في عمان تدعو لكفالة يتيم بمبلغ ( ١٥ ) خمسة عشر ديناراً شهرياً . وأنا أُقدِّر ان كُلفة حيوانٍ أليفٍ واحد تساوي كفالة حوالي ( ٣٠ ) يتيماً على الأقل . أستحلفكم بالواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الا يُذهِبُ ذلك العقل ، ويبعث على الحُزن !؟
في وطني خاصة ، أرى ان الإفراط في البذخ على تربية الحيوانات الأليفة ، والإحجام عن كفالة الأيتام ، ومساعدة الفقراء لا مُبرر له ، ونحن نرى أعداداً كبيرة من الفقراء والجوعى والأيتام يتضورون جوعاً ، ويلجأون للحاويات لسد الرمق . أكاد أُقسم ان ثروات غالبية هؤلاء المبذرين قد تأتت من سُحتٍ ، او حرام بواح ، او من ميراث لا يعلمون كيف أتى به آبائهم . لأن من يُجهِد نفسه ، ويتصبب عرقه في كسب ماله ، لن يهون عليه ان يُنفقه على حيوانٍ أليف ، للعنطزة ، والإستعراض ، والتفاخر ، والتباهي ، والتظاهر بالإنتماء لطبقة الأثرياء . يُضاف الى ذلك ان الكلب نجِس ، والغاية من تربيته للحراسة ، ومكان تواجده خارج البيت . أما تربية القطط فقد ثبت انها تُسبب أمراضاً عديدة منها العُقم . الأردني الحُر الأصيل ، الحصيف ، نظيف اليد ، غير الفاسد ، لا يمكن ان يتخلى عن مساعدة الأيتام ، والأسر العفيفة ، ولا يبذِّر ماله على تربية حيوان يلوث بيته ، ويُنجِّسه . إتقوا الله يا أردنيين ، وإبتعدوا عن التقليد الأعمى الذي يدل على جهالة وضيق أفق ، ويؤدي الى إنحراف عن قيمنا الأصيلة .