صراحة نيوز – حسين الرّواشدة
هل يحتاج مجتمعنا إلى تحديث؟ إذا كانت الإجابة نعم ،بناءا على اعتراف حقيقي بما نعانيه من تراكمات التخلف عن الدول والمجتمعات التي أنجزت بكافة المجالات ، وتخلصت من عُقَد الانتماءات للقبيلة واللون والأصل، ومن الاستغراق بالماضي ، ومن القطيعة مع التقدم والمستقبل ، فإن اقصر طريق لتحقيق ذلك هو (إصلاح التعليم )، تماما كما فعلت دول كانت في آخر القافلة ، ثم ركبت قطار مواجهة الجهل والانغلاق، وتحررت من ثقافة تمجيد التخلف ،فاصبحت على قائمة أهم الدول ،على صعيد التنمية والرفاة والإنجاز .
كيف نُصلح التعليم ؟ نحتاج لشرح طويل ،ليس هذا مكانه، أُشير -فقط -إلى عامل واحد ،يقع على مسؤولية الدولة ، ويُشكل ،بتقديري ، نقلة نوعية لتحديث مجتمعنا ،وتمكينه من الخروج مما يعانيه من انسدادات اجتماعية وثقافية، أقصد : إطلاق مشروع “ابتعاث وطني” ، يتم بموجبه إيفاد اهم الكفاءات الشبابية في جامعتنا للدراسة بأفضل الجامعات بالعالم ، بموازاة إطلاق برنامج للتبادل الثقافي مع أهم الدول المتقدمة ،شرقا وغربا ، بشرط أن يكون هذا المشروع قائما على فلسفة اكتساب الخبرات ،وليس مجرد الشهادات ،والدرجات العلمية ، وأن يتم في إطار رؤية واضحة لما نريده في المستقبل، مع ضمان أن نضرب عصفورين بحجر واحد: الحفاظ على هويتنا، واكتساب ما يلزمنا من أدوات وخبرات عالمية .
قبل أن استطرد ، استأذن بنقطة نظام ، وهي أن ما قامت به الجامعة الأردنية (بفضل رئيسها الدكتور نذير عبيدات ) بالإعلان عن اكبر برنامج إيفاد (77 طالبا وأربعين آخرين بموجب اتفاقية مع جامعة سيدني) يستحق الاحترام والتقدير ، وربما يشكل نقطة ضوء وسط إحساس عام بالإحباط والتراجع ، وربما أيضا يُلهم الجامعات الأخرى بالسير على ذات الطريق ، المؤسف أن هذه المبادرة لم تحظ بما يناسبها من إحتفاء وتشجيع ، والأخطر من ذلك أن تتسبب بعض الإجراءات الإدارية بإفشالها ، أو إعاقتها، أو حرمان المبدعين الحقيقيين من الاستفادة منها.
مشروع “الابتعاث الوطني “إذا حصل ، لا يصب فقط في مجال الاستثمار بالعلم ،وتطوير أدوات المعرفة المختلفة، وإنما يصب باتجاه تحديث ثقافة جيل الشباب( 70% من سكان المملكة)، من حيث انماط تفكيرهم ، وعلاقتهم مع بعضهم، و رؤيتهم لأنفسهم وللآخرين ، وصلتهم بدولتهم وتعاملهم معها، انه باختصار ،أفضل وسيلة ممكنة ، الآن، لإنقاذ مستقبلنا الذي نخشى عليه ، و أقصر طريق لتغيير حالة المجتمع وترميمها ، ثم بنائها على أسس تتناسب مع العصر، و تطرد ما تراكم من ممارسات تتناقض مع مفهوم الدولة الحديثة ، ومع ما يتطلع إليه الأردنيون من تقدم، أسوة بالمجتمعات الأخرى التي تثير تقديرهم وإعجابهم.
لدينا نماذج لدول عديدة ، شكّل الابتعاث رافعة من روافع نهضتها، وما شهدته من تحولات ثقافية واجتماعية سريعة و إيجابية ، خذ مثلا تجربة اليابان التي بدات قبل أكثر من 150 عاما ،وما تزال مستمرة ، وتجربة اشقائنا في المملكة العربية السعودية ، والتجربة الصينية والماليزية ، ما فعله -مثلا -مهاتير محمد في مجال إصلاح التعليم و الابتعاث ،كان مثيرا للدهشة ، لقد نقل ماليزيا من دولة على قائمة العالم الثالث ، إلى دولة على قائمة الدول المتقدمة ، نحن يمكن أن نفعل ذلك ، ولدينا ما يلزم من علاقات مع دول العالم واحترام أيضا ، كما أن لدينا موارد بشرية كفؤة ومبدعة، ومتصالحة مع هويتها ومع العصر، يمكن أن نستثمر فيها.
كيف نريد أن يتغير مجتمعنا ،ويندرج بالتحديث السياسي والإداري، ونحن مازلنا كما نحن ؟ في كل محافظة يوجد جامعة ، طلابها منها وفيها، أبناؤنا الذين يهاجرون لا يعودون ،رؤيتنا للعالم ،من خلال ما وصلنا من تكنولوجيا ، تحولت إلى نقمة وسلاح مدمر بأيدينا ،بدل أن تكون نعمة ، ومصدرا لتقدمنا، لهذا وغيره مما يطول الحديث فيه ، فإن إطلاق مشروع “ابتعاث “وتبادل ثقافي وعلمي وطني، كبير ومدروس ، هو أول خطوة لإعادة شمس التحضر والتقدم لمجتمعنا ، وبلدنا أيضا.