لمَن تُصفّق الجماهير أكثر؟!

4 د للقراءة
4 د للقراءة
لمَن تُصفّق الجماهير أكثر؟!

‏صراحة نيوز – ‏حسين الرواشدة

‏لماذا يحظى بعض اخواننا الفنانين والمطربين ،لاسيما إذا كانوا من خارج البلد ،بالحفاوة والاحترام ، أكثر مما يحظى العلماء والمثقفون، أساتذة الجامعات وكبار السياسيين والإعلاميين، وغيرهم من قادة الرأي والفكر والزعامات الاجتماعية الوطنية؟ بصراحة لم اجد أي إجابة مقنعة، قلت : اللهم لا حسد ، ربما يستحق هؤلاء ذلك، أو ربما يجدون جماهيرا من المعجبين ترفعهم فوق الأكتاف ،وتصفق لهم بحرارة، أو ربما تطوّعت بعض الجهات الرسمية لاستقبالهم ، وتوفير ما يلزم منه “مواكب”، تُشيّعهم بالترحاب والتكريم.

حاولت أن افهم اكثر ، هل الاحتفاء ينصرف نحو الفنون النظيفة ،بما تمثله من قيمة إنسانية ووجدانية، وبما تشكله من رافعة لقضايا الناس والوطن، ام انه ينصرف لأشخاص محددين اكتسبوا الشهرة ، حتى وإن افتقدو القيمة الفنية والاخلاقية؟ حين دقت بواقع الفنون وأصحابها في بلادنا ، أدركت -تماما – ان ما نفعله لا يتجاوز حدود “التسطيح ” لأولوياتنا ، نحن أهملنا الفنون الوطنية ، ونغطي على تقصيرنا بصور مغشوشة ومنتقاة ، نحن قدمنا هذ النماذج كملهمين لابنائنا ، فأصبحوا قدوات لهم، نحن طردنا صناع الثقافة والفكر والزعامات التي تمثلنا حقيقة ، ولم نُقدّر ،كما يجب ، شهداءنا وأبطالنا الحقيقيين ، واستبدلناهم بآخرين ، لان كثيرين منا يرون فيهم انفسهم ، ويتمنون لو كانوا مثلهم. يا خسارة!

‏حين تشوهت الذائقة العامة في مجتمعنا ،وتراجعت مساطرها و معاييرها ،حصل ذلك وأكثر منه، ارجو -فقط – أن نلوم انفسنا ، فنحن ،كمجتمعات ، مسؤولون عن اختياراتنا وانحيازاتنا واعجاباتنا ، نحن يمكن أن نصنع التفاهة، ونحن ،أيضا ، يمكن أن نطردها ،ونصنع بدلا عنها الجدية واحترام القيمة، وتقدير المؤثرين والملهمين الحقيقيين ، لا تستطيع الإدارات الرسمية ،مهما حاولت وفعلت ، أن تجبرنا على التصفيق لنجوم من كرتون ، او التدافع لشراء تذكرة بأسعار خيالية لمطرب عابر للسخافات ، فيما لا يتحرك الا القليل القليل منا لحضور ندوة ثقافية ، أو أشهار إنجاز علمي، او تكريم من أفنى عمره في خدمة البلد.

‏ما قد تصرّ الحكومات والإدارات أن تفعله ،بما لا يعجبنا، يمكن للمجتمعات ،متى امتلكت الوعي والإرادة، أن ترفضه وتبحث عن بدائل له ، صحيح هذا لا يعفى الرسميين من مسؤولياتهم، لكنه يضع المشكلة في الزاوية الحقيقية ،أقصد المجتمع ، نحن ، لا الآخرين ، من يقف على المدرجات بالآلاف لتشجيع الطرب واللعب ، ولا نتحرك للانتصار أو الدفاع عن مظلوم ، أو الاحتفاء بمبدع حقيقي، أو الانحياز لفنان قدم لنا زهرة حياته، ثم ادركه العوز ، فتحول إلى متسول للحصول على رغيف الخبز ، نحن الذين دخلنا اللعبة ، ثم قبلنا النتيجة ،وانصهرنا فيها ، وأصبحنا مجرد خادم لها، وإن كنا ننتقدها أحيانا ، او نرفضها بالعلن.

‏إذا أردت أن تحكم على مجتمع ، اي مجتمع، انظر فقط لمن يتقدمون الصفوف ، دقق بقائمة “كبار البلد”، أسأل لمن تقام المهرجانات ومن يحظى فيها بالتكريم ، وإذا امكن أن تسير في جنازة عالم كبير، فلا تنسى أن تحصي إعداد المشيعين ، ستكتشف، كل مرةً ، أننا فعلنا بأنفسنا أسوأ مما فعلته بنا الإدارات الرسمية ، وأن التغيير ما لم يمر بأنفسنا ومجتمعاتنا فإنه لن ينزل علينا بالبراشوت ، ستكتشف ،أيضا، أن “التفاهة “احكمت علينا قبضتها، و إن “الفرجة” شكّلت صورة مجتمعنا ، و أفرزت منا أرخص ما فينا ، ستكتشف ،ثالثا ، أننا مازلنا نعاني من “الشيزوفرينيا” و النفاق الاجتماعي ، و أننا جلادون وضحايا معا ..

Share This Article