صراحة نيوز – حسين الرّواشدة
هل نحن جاهزون لمواجهة أي أزمات خارجية ،يُمكن أن تستهدف بلدنا في المرحلة القادمة؟
قلت : يُمكن ، لكن الحقيقة أن هذه الأزمات حاضرة وبقوه ، وهي مصدر تهديد دائم لبلدنا ، ربما غابت عن نقاشاتنا العامة لانشغالنا بقضايانا الداخلية ، ربما جرى تداولها داخل غرف مغلقة بإدارات الدولة ، لكن أعتقد انه حان الوقت لمصارحة الأردنيين بها ، ليس ،فقط ، من أجل تهيئتهم للتعامل معها، وانما لمعرفة قدراتهم -أيضا – على التصدي لها ، وتجاوزها بأقل ما يمكن من خسائر.
صندوق ” باندورا” في منطقتنا مليء بالشرور ، ونحن بالتأكيد معرضون، في أية لحظة ، لما يتطاير منه من حروب وصراعات ، ومكائد ومؤمرات ،أشير إلى أربعة ملفات منها ، خذ ،أولا ، مخرجات عملية “الابارتايد” في إسرائيل ، وما تفرضه من نتائج تصب بعكس مصالحنا الوطنية ، أقصد ملف الترانسفير الذي اصبح “لازمة” تتكرر في تصريحات مسؤولين كثيرين بالكيان المحتل ، خذ، ثانيا ، ملف العلاقة مع سوريا ، وأزمة الحدود والمخدرات واللجوء، ثم دخول واشنطن على خط المقاربة ، مع تصاعد التوتر الداخلي في سوريا .
خذ،ثالثا ، التحولات السياسية (الانقلابات ) التي تشهدها المنطقة ،في سياق بروز تكتلات وتحالفات ومراكز نفوذ جديدة ، قد تشكل جزءا من التهديد لبلدنا ، في ضوء معادلة تقاسم الأدوار والأرباح والخسائر ،خذ، أخيرا، ملامح اقتراب موجة ثالثة من موجات الغضب الشعبي في عواصمنا العربية ، هذه المرة قد تكون أعنف من الموجتين السابقتين.
كل ملف من هذه الملفات يحتاج إلى نقاش طويل ، لكن أريد ،فقط ، أن أذكّر القارئ الكريم بمسألتين ،الأولى أن استغراقنا ،كأردنيين ، بالجدل حول موضوعات تتعلق بالشأن العام الداخلي، ثم انقسام مجتمعنا حوله، كان بمثابة “دخان” مصطنع للتغطية على هذه القضايا المصيرية التي تهدد وجودنا ،وليس حدودنا فقط ، أخشى أن يكون ذلك قد تم بقصد ،أو بفعل فاعل ،وأننا وقعنا في “فخ”الانشغال ،وعدم الاهتمام ، ومن يتحمل مسؤولية ذلك هم” النخب” التي يفترض أن تكون بمثابة الرأس الذي يستبق الحدث ،بالتفكير والتحضير أيضا.
اما المسألة الثانية فهي أن الجبهة الداخلية ،التي هي “كنزنا الاستراتيجي ” ، تعرضت خلال السنوات الماضية ،وما تزال ، لموجات عنيفة ،هزت لُحمتها وتماسكها، لا أتحدث ،فقط ، عن العبث بالهوية والنواميس الوطنية ، وقيم الدولة، و منظومتنا الاجتماعية، و إنما ،أيضا ، عن محاولات استهدفت صناعة صدامات بين الأردنيين ودولتهم ونظامهم السياسي ، تم التحريض عليها من الخارج والداخل معا، هذه الصدمات تم تغذيتها بالتشكيك بأي إنجاز ، ونزع ثقة المواطن باداراته العامة ، وإشاعة مناخات اللطم والشكوى ، وتكسير الرموز الوطنية ، وإزاحة العقلاء والاكفاء، وتجاوز منصات العدالة ، وإغلاق أبواب الانفراج.
ما العمل؟ هذا سؤال كبير ومعقد، فالملفات الكبرى التي أشرت إليها ، وربما غيرها مما لا مجال لذكره، تحتاج إلى “تقدير موقف” عام يمثل الدولة بكافة إداراتها ، كما تحتاج إلى استنفار المجتمع بكافة نخبه وطاقاته، وباختصار ، فإن بناء القرارات والقناعات والاستعدادات يستدعي ،أولا ، بناء الثقة ، وصياغة رواية وطنية مقنعة ، وتسخير الطاقات والموارد لخدمة هذه الرواية، كما يستدعي الخروج من حالة الإنكار ، وتأجيل الخلافات على القضايا التفصيلية ، للتمترس خلف موقف الدولة، ثم اشهار مرحلة تحول سياسي عابر لكل المخاوف والحسابات ، بحيث يطمئن الأردنيون إلى أن تضحياتهم ،دفاعا عن بلدهم ، ستصب في رصيد الوطن الأردني ، ومصلحة الأجيال القادمة . حمى الله بلادنا من كل مكروه .