صراحة نيوز- حسين الرّواشدة
كيف ينجح المسؤول بالإدارة العامة ،سواء أكان وزيرا أو مديرا عاما، أو حتى رئيس قسم؟ الإجابات قد تنصرف إلى مواصفات عديدة ، الكفاءة مثلا ،أو الإتقان والإخلاص ، أو الشجاعة والجرأة عند اتخاذ القرار ، وغيرها، لكن ،بحكم التجربة ، مفتاح السر لنجاح المسؤول في الادارة ، هو القيادة الحكيمة ، أقصد العمل بروح الفريق الواحد ، بعيدا عن الشللية ، والفرز الوظيفي الذي يوزع الموظفين بين شلّة المسؤول وعصبته، وبين آخرين مُهْملين، او مغضوب عليهم.
أعرف أن ضحايا الشللية الإدارية التي ينتهجها بعض المسؤولين في مؤسساتنا اكثر من أن يُعدّوا ، وأنهم مخنوقون ،لدرجة أننا لا نسمع أصواتهم ، أعرف، أيضا، أن الكثيرين من أصحاب الكفاءات جرى الانتقام منهم ، بذريعة انهم محسوبون على إدارات سابقة ، حيث تزدهر فكرة تصفية الحسابات بين الإدارات المتعاقبة، اعرفك ، ثالثا ، أن مجموعة من الموظفين جاهزة باستمرار للالتفاف حول أي مسؤول جديد، وقادرة، أيضا على انتزاع ثقته وحظوته ، وما يلحقها من امتيازات ،مهمتها أن تضرب وتكسب ثم تهرب ، دون أي اعتبار لمصلحة عمل ، أو أخلاص لمسؤول.
إذا أردت أن تعرف سر الفشل بالإدارة ، في بعض المؤسسات ، “فتش ” عن الشللية، فأي مسؤول يقع في هذا “الفخ ” سيتحول إلى “ريموت ” يتحرك بما يسمعه من معلومات ونصائح ، غالبا لا تكون صحيحة، والأسوأ حين يتحرك بمنطق الانتقام ضد أي موظف يغرد خارج سرب الشلّة ، التهمة دائمًا جاهزة “هذا من جماعة المسؤول السابق”، وهي تكفي لإنزال اقسى العقوبات به ، أو تجميده عن العمل، أو حرمانه من امتيازاته، أو إحالته لمكتب بالطابق السفلي ، تمهيدا لإنهاء خدماته.
في مجتمع الشللية تنتشر الوشايات والافتراءات ، وتحتدم المعارك بين الموظفين ، وتتحول الكفاءة إلى تهمة، والإبداع إلى نقمة ، ويصبح التقييم على أساس ما يمتلكه الموظف من مواهب النفاق، وبالتالي يتراجع الأداء ، و معه الانتماء المؤسسي ، ويتمدد الفساد الإداري ويزدهر، وينتشر الإحباط بين الموظفين ،و تبدأ الكفاءات بالانسحاب ، ثم تتحول الادارة إلى سلطة عمياء، لا ترى ولا تسمع ، ولا تنجز أيضا.
بمناسبة الحديث عن تحديث القطاع العام، يمكن أن نفكر جديا للخروج من هذه “النازلة” التي أصابت الإدارة العامة في بلدينا، الحل يبدأ باختيار القيادات للوظائف العليا ، و اقترح أن نضيف بندا جديدا للتعيين ، وهو “الفحص النفسي”، ثم إيجاد آلية شفافة لمراقبة أداء الإدارات، وتقويمها ، ثم اعتماد أخلاقيات أداء الوظيفة العامة معيارا عند التعيين والتمديد والترقية و إنهاء الخدمات، لا بأس أن يكون لدينا مفتش عام في كل مؤسسة و إدارة ، يتولى مهمة مراقبة الاداء، بشرط أن يكون من هيئة مستقلة، أكيد لدى غيري من المتخصصين اقتراحات أفضل ، المهم أن تتحرر الإدارة العامة من هذه الإصابات التي طرأت عليها ، وأفسدت ما تقوم به من واجبات، وما تقدمه من خدمات.
رجاء لكل مسؤول في بلدنا ، مهما كان موقعه، أغلق بابك أمام الشلل الانتهازية التي تتزاحم لصيد الفرص والمغانم ، اغلق آذانك أمام الوشايات التي أصبحت “صنعة المشائين” لتحقيق أحلامهم من خلال الانتقام من زملائهم ، اغلق دفاترك وحساباتك أمام التصنيفات التي تسمعها ، لفرز الموظفين على مساطر الوطنية أو الولاءاتية ، أو غيرهما مما لا علاقة له بالكفاءة أو الإنجاز ، اغلق نوافذك امام ما يتطاير من أخبار عن مؤامرات تُحاك ضدك من محسوبين على الإدارات التي سبقتك ، فهي مجرد فزاعات لتخويفك، وسلالم لفرض الوصاية عليك ، وقبل ذلك كله لا تنس دائما مخافة الله ، وأمانة المسؤولية ، والعمل للصالح العام ، مهما كانت الظروف والضغوطات.