صراحة نيوز- عوض ضيف الله الملاحمه
لا أدري ما الذي دفعني للكتابة عن الرومانسية . ربما قسوة الحياة التي نعيشها هذه الأيام . فوددت أن آخذ القراء الكرام الى ركنٍ هاديء نأوي اليه ، سعياً للراحة والإغراق في البساطة ، والإنعتاق من صخبِ الحياة ، والإلتفات الى الجماليات التي تحيط بنا ، ولا نستمتع بها ، لقساوة ما يُشغلنا ، ويُكدِّر علينا صفو حياتنا . لذلك سأتناول الرومانسية بمفهومي الشخصي البسيط المتواضع ، دون أي إقتباس ، بعيداً عن التنظير ، والتفكير المعمق ، وبعيداً عن المنظور الفلسفي للمصطلح . آملاً من القراء الكرام إلتماس العذر لي على بساطة الطرح .
الرومانسية تعني الإستعداد لتقبل المشاعر والأحاسيس والإدراك والفهم ، تقبلاً إيجابياً يكتنفه الرقي في التفاعل والإنصهار والتعايش مع الحدث او الرؤيا او البيئة المحيطة . وهي مزيج من المحسوس واللامحسوس ، والملموس وغير الملموس ، وبين المشاعر والمادة . والدليل على رقي الرومانسية انها لا ترتبط الا بالمشاعر الراقية ، المُرهفة ، ولا يمكن ان يكون الشعور الرومانسي الا إيجابياً ، طيباً ، نقياً ، راقياً ، رائقاً ، كما الجدول الرقراق الذي ينساب بدفيء ، ورفقٍ ، وحنان ، وحنو بين ورقيات العشب ليجعلها نديةً فيبللها دون ان يجرحها او يؤذيها .
الرومانسية مرتبطة بقدرة الخالق ، وبجمال خَلقِهِ عزّ وجلّ ، وروعة صنعته ، وإعجاز قدرته . وهي مرتبطة بمخلوقات الله سبحانه وتعالى كافة ، سواء كانت جماداً ، او نباتاً ، او حشرات ، او حيوانات ، او إنسان . ولكل منها جماله الأخآذ المُبهر . فمثلاً من جماليات المخلوقات الجامدة : السهول الممتدة ، والجبال الشاهقة ، والتلال التي تقف كحلقة وصل بين الجبال والسهول والوديان . كما للأحجار جماليات مبهرة مثل الألماس و الأحجار الكريمة ونصف الكريمة ( precious & semi precious stones ) . التي بعد صقلها يسيل لها لعاب النساء والرجال على حدٍ سواء ، لأنها تُظيف جمالاً لمن يتزين بها . أما النباتات فعندما تراها ، تتخيل انها الرداء الجميل للأرض . تتزين به وتبتهج، وهي التي تربو بها الأرض ، وتهتز استجابة لقدرة الخالق العظيم بنزول المطر . أي وكأن نمو النباتات يحرك سكون الأرض وجمودها ويُحييها . وأما السحر الحقيقي الأخآذ الذي يخطف الألباب ويبهج النفس ، ويهيج المشاعر الراقية ويرققها لتصبح مرهفة فهي الورود والأزهار ، التي في جمالها الناس تحتار من مجرد النظر اليها ، فكيف اذا إستنشق عبقها وأريجها ، فانها تخطف اللبّ ، وتثير مشاعر الحبّ ، وتزيل القسوة من القلب . وعندما ننتقل الى تَجَسُّدِ عظمة الخالق في الطيور ، وجمال ألوانها ، وعذوبة تغريدها . وكذلك الحشرات ، والحيوانات ومختلف الكائنات ، لا تخلو من جماليات ، بما فيها من أنوع وأشكال وألوان ، وإكتنافها للتضاد ، بين الرقة ، والنعومة ، والألفة ، والقسوة ، والوحشية . أما الإنسان ، خَلقُ الله الأعظم والأعقد ، فيصعب الخوض فيه ، لان كل قوة الخالق الخارقة تتجسد فيه ، فهو مَركِز التناقض والتعقيد ، والتقلب ، بين المشاعر الراقية الحساسة النبيلة المُحِبة الودودة المعطاءة ، الى القسوة والجمود والتَحَجُر والبلادة والحقد والحسد والبغض والنميمة والإنتقام والكُره والأنانية . لله ما أعقد هذا المخلوق الذي تتأرجح مشاعره بين ألحب والقتل ، وبين العفة والسرقة . إن الإنسان هو الأعقد بين مخلوقات الله ، كيف لا ، وهناك من الناس من يُنْكِرَ خالقه الذي خلقه .
عُمقُ التفكّر بخلق الله تأتى عندي من دراستي للأدب الإنجليزي هذا الأدب العظيم بزخم إنتاجه الغزير ، خاصة للفترة الرومنطيقية (Romanticism Period ) . وشعراء تلك الحقبة العمالقة مثل : —-
John Keats / William Wordsworth/ Coleridge / T. S . Eliot وغيرهم الكثير . وللعلم فإنني خلال دراستي الجامعية في جامعة بغداد في العراق العظيم قرأت كل ما طالته يدي من كتب عن تلك الفترة في مكتبة جامعة بغداد الضخمة المتفردة فيما تحتوي ، وكذلك المركز الثقافي البريطاني . وأجهدت نفسي لتحديد فترة رومنطيقية في الأدب العربي على مر العصور ، ولَم أُفلِح ، حيث لا تجد اكثر من قصائد متناثرة للعديد من الشعراء . ولَم أجد الا قصائد وأشعار فترة الرحابنة في لبنان وقصائدهم المُغَنّاه للسيدة العظيمة فيروز أطال الله في عمرها . وللعلم فإن ثُلثي مسودة رسالة الماجستير باللغة الإنجليزية في الأدب المقارن قابع منذ ما يقارب النصف قرن في أدراج مكتبتي .
الخالق ربُّ العزة عظيم ، وتتجسد عظمته في عظمة خلقة ، سبحانه وتعالى عدد خلقه .فلنتفكر في خلق الله لأن فيها عبادة عظيمة ومتعة فريدة . وأعظم تفكرٍ في الله سبحانه وتعالى يتأتى من التفكر في شخصيات رُسلهِ وأنبيائه والمعجزات العظيمة التي خصّهم فيها .
الرومانسية حُبٌ بالمعنى الشمولي للحُب . الرومانسية مشاعر واحاسيس راقية ونبيلة . الرومانسية تعلمك حُبّ النفس دون أنانية ، وحُب الآخر ، وحُب الحياة ، وحُب الناس ، وحُب الذات الإلهية . الرومانسية عطاء غزير من المشاعر والدفء والصدق . الرومانسية ترتقي بالنفس البشرية .
لا أدري : هل أثقلت عليكم ، أم روّحتُ عنكم ولو قليلا ؟ أتمنى الثانية . وأختم وأقول : حقيقة إن التفَكُّر في خَلْقِ الله عباده عظيمة .