عروبة القضية .. عروبة شعبية

8 د للقراءة
8 د للقراءة
عروبة القضية .. عروبة شعبية

صراحة نيوز- عوض ضيف الله الملاحمه

العروبة والقضية الفلسطينية توأمان لا ينفصلان ولا يتضاربان ، ولا يتعارضان ، بل هما صِنوان مكملان لبعضهما . فلا يمكن لعربي نقي ، مُنتمٍ ، ويسري في عروقه دمٌ عربي أصيل الا وينتمي للقضية الفلسطينية كإنتمائه لعروبته .

بتقييم عقلاني ، هاديء ، ومُنصف ، أجد ان القضية الفلسطينية أكثر قضية فيها إبتلاء متفرد ، لا يُصدَّق ، ولا يُطاق ، ولا يحتمله عقل سوي . وفيما لو قال قائل كيف ؟ أقول له ان أسوأ وأقسى معاناة عاشها اي بلد من بلدان العالم تتمثل في الإستعمار . والإستعمار دوماً الى زوال خلال بضعة عقود ، ويغادر المستعمِر ( في ستين داهية ) ، ويعود لبلاده لسببين : — الأول : إما لمواجهته مقاومة شرسة لا يحتملها المستعمِر ، وتكون كُلفة بقاء المستعمِر عالية ، وغالية الثمن ، فيضطر ليجر أذيال الخيبة والهزيمة قافلاً الى بلاده . والسبب الثاني :— ان ينتفي الغرض من الاستعمار ، وتنتهي المصلحة من إستعمار تلك البلاد فيقفل عائداً لبلاده وتتحرر تلك البلاد . أما في حالة فلسطين فهو إستعمار إستيطاني ، يقوم على تملك الأرض ، وتهجير أهلها الأصليين ، وإحلال شراذمة الصهاينة وجلبهم من شتاتهم ، من كل اقطار العالم ليتوطنوا محل الفلسطينيين سكان الأرض الأصليين . هل حدثت مثل هذه الكارثة لأي شعبٍ من شعوب الأرض منذ بدء الخليقة ؟ الإجابة قطعاً لا .

وبعد الإحتلال ، تنافح العرب طرباً ، على رأي الشاعر العراقي العظيم ( مُظفر النواب ) رحمة الله عليه . وعُقِدت المؤتمرات ، وتكشف لاحقاً انها مؤامرات . وها هم الآن يخذلونها حتى في البيانات . كان أحرار العرب قبل عقود يعترضون على الإكتفاء ببيانات الشجب والإستنكار ، ويطالبون بالدعم والمساندة على أرض الواقع . وعند المقارنة في الواقع الحالي ، نتمنى لو بقيت بيانات الشجب والإستنكار .

وبعد خُذلان الدول الإسلامية ، والأقطار العربية للقضية . أطاح بالقضية الخذلان الأدهى ، والأنكى والأمَرّْ ، الذي تمثل في إنحياز السلطة الفلسطينية للعدو ، وأخطر عمل خدمت به السلطة ذلك الكيان تمثل في التنسيق الأمني ، الذي معناه دون تجميل او مواربة : مراقبة المناضلين وإصطيادهم وتسليمهم للعدو الصهيوني ، حتى تنطفئ أي جذوة للنضال . تصوروا لو غزة كانت تحت حُكم السلطة ، هل يمكن ان يتم تنفيذ هكذا عملية بطولية ؟ الإجابة طبعاً لا . وفي المقابل وللمقارنة : تصوروا لو ان ظروف الضفة تشابه ظروف غزة ، اليس بإمكان الفلسطينيين الأبطال زلزلت الأرض تحت أقدام الكيان ؟ ولكانت جذوة المقاومة أقوى ، وأكثر إيلاماً للعدو .

ولمقارنة مواقف السلطة من قضيتهم ، مع مواقف المناضلين الفيتناميين ضد الإستعمار الأمريكي سأذكر موقفاً بسيطاً لكنه عميق الدلالة على مواصفات المناضل الشريف : طلبت أمريكا من كل دول العالم ان تساعدها للخروج من المستنقع الفيتنامي . وكانت فرنسا من بين الدول التي لعبت دوراً ونجحت في إقناع الفيتناميين بالتفاوض . لكن الفيتناميين إشترطوا تفاوضاً غير مباشر . وبعد الموافقة ، أرسلت فيتنام وفداً تفاوضياً برئاسة شابة فيتنامية مناضلة . وهيأت فرنسا للوفد الفيتنامي ضيافة متميزة في فندق خمسة نجوم من أرقى فنادق باريس . الا ان الوفد الفيتنامي إعتذر ، وأقام في سكن طلاب فيتناميين مُبتعثين للدراسة في فرنسا . قارنوا مواقف الثوار الفيتناميون مع الثوار المزيفين .

القضية الفلسطينية مأزومة ، وليست مهزومة أبداً . القضية الفلسطينية مُنكسِرة ، لكنها ستكون مُنتصِرة ولو بالوعد الإلهي . السبب في تأزيم ، وإنكسار القضية يتمثل في الموقف الرسمي العربي المعروف لديكم ، ولا يستحق مزيداً من التفصيل . لأن التفصيل والتحليل يستحقه موقف الشعب العربي بِكُلّيته من المحيط الى الخليج . حيث كلما إدلهم ليل القضية ، إزداد الشعب العربي إلتصاقاً وتماهياً معها ، وبها .

والمؤلم ان الشعب العربي لا يلوي على شيء ، وليس بمقدوره تقديم شيء للقضية وللمناضلين في الداخل ، سوى التعاطف المعنوي . مع ان بإمكانه تقديم الدعم المالي ويكتفي به كونه ضمن الممكن ، وتماشياً مع الظروف الحالية . وهذه الفكرة ذكرتني بما كنا نفعله في مدارسنا الأردنية قبل أكثر من ( ٦٠ ) عاماً عندما كنا أثناء الطابور الصباحي في مدارسنا نتبرع للثورة الجزائرية . تصوروا لو تبرع كل مواطن عربي بدينار واحد شهرياً للقضية الفلسطينية ، يضاف لها ما تجود به أنفُس الأثرياء العرب وهم كُثر ؟ أرى ان حالة التبرع هذه ستقدم للثوار ما لا يقل عن ( ١,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠ ) دينار سنوياً . ولكم ان تدركوا ما الإمكانات التي يوفرها هذا المبلغ للمناضلين في الداخل ، سواء في غزة او الضفة .

ليعلم الجميع ، ان المناضلين الفلسطينيين في غزة والضفة ، عندما تخلى عنهم النظام الرسمي العربي ، نبشوا في دواخلهم ، وشحذوا همتهم ، وغيروا أسلوبهم في النضال . حتى لا تُجهض مقاومتهم كما أُجهِضت الإنتفاضة الأولى عام ١٩٨٧ . فطوروا من قدراتهم ، وبدأوا بمقارعة العدو الصهيوني ، وما العملية الحالية الا نتاج مُبهرٌ ومشرِّف كمحطة من محطات النضال وصولاً للتحرير ، رغم ان كُلفتها ستكون عالية جداً .

في الختام إسمحوا لي ان أتحفظ وبشدة على تسمية المناضل البطل / محمد ضيف ابو خالد ب قائد هيئة الأركان للقوات الفلسطينية . لأن هذا يؤثر سلباً على القضية الفلسطينية في العالم الخارجي ، لأنه يُفهم منه ان الفصائل الفلسطينية جيشاً وليست منظمات مقاتلة ، وهذا يخدم التوجه الصهيوني ليطلبوا دعم ومساندة العالم لانهم يواجهون جيشاً ، بينما يتعاطف أحرار العالم عندما يعرفون ان هذه فصائل مقاومة تجابه أعتدى جيوش العالم تسليحاً وعدداً وعُدة وعتاداً .

ما يستحق القول ان عدد قتلى العدو في هذه العملية ، وخلال يومين وصل الى أكثر من ( ١٠٠٠ ) قتيل ، و (٢,٦٠٠ ) جريح ، وحوالي ( ١٣٥ ) أسيراً . بينما في حرب حزيران ٦٧ التي استمرت ( ٦ ) أيام ، كانت خسائر العدو ( ٨٠٠ ) قتيل فقط ، مع ان عدداً من الدول العربية دخلت الحرب .

والله ان بعض اليهود يتعاطفون مع القضية الفلسطينية اكثر من بعض العرب . ومثال ذلك حركة ناطوري كاراتا التي ربما وصل عدد منتسبيها الى ( ٢ ) مليون يهودي ، وكل افعالهم واقوالهم ضد الكيان ، ويدعون على الإحتلال بالزوال . واليكم مثلاً آخر : كتب الكاتب الصهيوني الشهير / جدعون ليفي في صحيفة هآرتس ، مقالاً عنوانه 🙁 هل مسموح لنا ان نتغطرس دون ان ندفع الثمن ) ؟ ويضيف : ان وراء كل ما حصل الغطرسة الاسرائيلية ، فَكَرّنا انه مسموح لنا ان نفعل اي شيء واننا لن ندفع ثمناً ولن نُعاقَب على ذلك ابداً . نعتقل ، ونقتل ، ونسيء معاملة ، ونسلب ، ونحمي مستوطني المذابح ، ونطلق النار على الأبرياء ، ونقتلع عيونهم ، ونهشم وجوههم ، ونرحلهم ، ونصادر اراضيهم ، ونخطفهم من أُسرهم ، ونقوم بتطهير عرقي ، ونود ان يكون كل شيء على ما يرام ؟

Share This Article