صراحة نيوز – حسين الرواشدة
من تحت دخان حرب الإبادة على غزة ، تتسلل أطراف عديدة لمحاولة تصفية القضية الفلسطينية ؛ هذا التسلل يأخذ مسارين متوازيين ، أحدهما سياسي، والآخر إنساني ، ويمتد جغرافيا ليشمل بعض الدول المرشحة لتمرير هذه التصفية، بسيف المعتز أو بذهبه ، المسار السياسي عنوانه “ما بعد حماس في غزة “، وسيناريو هاته مطروحة للنقاش في مراكز القرار الإقليمية والدولية ، وهو يتطابق ،تماما ، مع هدف الكيان المحتل : “استئصال” حماس عسكريا وسياسيا، وإقامة إدارة بديلة، أما العنوان الإنساني فهدفه المعلن إنقاذ سكان غزة ،وتوفير ما يلزم من أموال لتمويل خطة ما بعد الحرب ، فيما الهدف الحقيقي ضمان نجاح هذا المسار السياسي الجاهز، من خلال تنفيذ خطة الترانسفير الناعم ، وبناء غزة جديدة ،بمواصفات تصب في مشروع محاولة حسم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، بدلا من الاستمرار في إدارته.
سأتجاوز الوقائع التي تشير إلى ذلك، ابتداء من الجولات الدبلوماسية المكوكية التي تشهدها المنطقة، ثم المخصصات المالية التي كشفتها وثائق طلب الدعم من الكونجرس الأمريكي ، وانتهاء بالدعوات لعقد مؤتمرات إنسانية دولية من أجل غزة (مؤتمر باريس مثلا)، كل هذه المؤشرات تصب في “لازمة ” واحدة ، أصبحت تتكرر على لسان معظم الأطراف المعنية بالحرب ، وهي “لازمة ” ما بعد حماس في غزة ، ما يعني أن الحرب مهما كانت نتيجتها ستتحول إلى ملف سياسي، الفاعلون فيه أصبحوا معروفين، ويتحركون ، بما لديهم من أدوات وإمكانيات ، لفرض وقائع جديدة ، هدفهم إعلان انتصار سياسيي، فيما لا يوجد لدى الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية بشكل مباشر أي مشروع ، أو مبادرة للاستثمار في حرب غزة، أو انتزاع أي انتصار سياسي ، أو حتى تجنب نكبة ثالثة ، وذلك أضعف الإيمان.
صحيح، الحرب لم تضع أوزارها بعد ، ولا يستطيع أحد ،الآن ، أن يتكهن بنتائجها، أو بحدودها الجغرافية والزمانية، لكن المؤكد أنها ستنتهي إلى واقع جديد مختلف تماما ، مجال الصراع فيه سياسي بامتياز، وأي انتصار فيه يعادل ما يمكن أن ينتزعه أي طرف على طاولة السياسة ، هنا يبرر سؤال مهم : هل ستكون المقاومة (حماس تحديدا) طرفا في المعادلة السياسية ، وإذا كانت غير مؤهلة، أو غير مقبولة، أو غير موجودة ، فهل الأطراف الفلسطينية الأخرى جاهزة لملء هذا الفراغ ، ثم من هي العواصم العربية المرشحة للقيام بهذا الدور ، هل لديها ما يلزم من أوراق سياسية للإستثمار في حصاد هذه الحرب وكوارثها، أم أنها ستتكيف مع المشروع المطروح للقبول بالواقع الجديد ، كمقابل لوقف الحرب ، بصرف النظر عن الثمن المدفوع؟
الإجابات التي تلوح في أفق التحليل وتنبؤاته تبدو صادمة، فالأطراف الفلسطينية ،سواء أكانت السلطة أو المنظمة أو الفصائل ، لا يبدو أنها قادرة ، أو جاهزة للقيام بهذه المهمة ، يبقى الدور على العواصم العربية ، وهنا اترك للقارئ الكريم تقدير الموقف العربي أثناء الحرب ، لمعرفة ما يمكن أن يكون بعده ، لكن ما يهمني هو الموقف الأردني الذي خاض المعركة السياسية ، بالنيابة عن العرب والفلسطينيين ، باقتدار شهد له الجميع ، وهو ، بتقديري ، قادر وجاهز للقيام بهذه المهمة ، إذا ضمن ظهيرا عربيا وفلسطينيا يسانده، السؤال : هل هذا الظهير متوفر وفق حسابات عمان السياسية أم لا؟ الجواب للأسف لا ، وبالتالي فإن المعركة السياسية ما بعد حرب غزة ستكون أصعب ، وخسائرها ربما تكون أفدح ، إذا لم يفرز الفلسطينيون ،تحديدا ، موقفا موحدا، في إطار مواجهة الانتصار السياسي الذي يتم التجهيز له من قبل تل أبيب وحلفائها.
يبقى السيناريو الغائب عن النقاش ، وهو : ماذا لو انتهت الحرب على غزة ، وظلت المقاومة (حماس تحديدا) قادرة على الاستمرار بحكم القطاع ، هل سيكون ثمة استثمار سياسي يتناسب مع الكلفة التي قدمها الفلسطينيون ، ومن المرشح ،أيضا ، للقيام بهذا الواجب ؟ الإجابة قد تبدو متطابقة نسبيا مع الافتراضات السابقة التي يجري الترويج لها ، تحت عنوان “غزة ما بعد حماس “، هذا بالطبع مؤسف ، ونتيجته ستكون أسوأ على الفلسطينيين وقضيتهم ، ولهذا فإن أي جهد عربي فلسطيني يتوجه الآن نحو غزة ، تحت أي عنوان سياسي أو إنساني ، يجب أن يضع على اجندته الإجابة على سؤال : ماذا بعد الحرب ، أقصد اليوم التالي ، كيف ننتصر، أو نتجنب الخسارة على الاقل؟