من دروس الحرب ، أردنياً: ترتيب “الداخل ” أولاً

5 د للقراءة
5 د للقراءة
من دروس الحرب ، أردنياً: ترتيب "الداخل " أولاً

‏صراحة نيوز- ‏حسين الرواشدة

‏ما هي أبرز الدروس التي يُفترض ان نتعلمها ، اردنيا، من الحرب على غزة ، في إطار إعادة تعريف مصالحنا الوطنية، وعلاقاتنا مع محيطنا العربي والإقليمي والدولي ، ومع الداخل الأردني أيضا؟

يبدو هذا السؤال وجيها لسببين، على الأقل، الأول: هذه الحرب كانت كاشفة ، أسقطت الأقنعة ، وعرت المواقف ، وأزاحت الغموض، رأينا في مراياها صورتنا كما هي ، بلا رتوش ، كما رأينا صور الأشقاء والحلفاء والأعداء ، صحيح أننا كنا نعرف جزءا منها ، لكن الآن بعد امتحان الحرب أصبحت مكشوفة ،تماما، بالدليل ، كما أن التهديد الذي يمكن أن نواجه ،قادم الأيام ، على اكثر من جبهة ، يستدعي ان نفكر بذلك.

‏الثاني : بروفة المعركة السياسية التي خاضتها الدولة الأردنية ،على مختلف الجبهات ، لإدانة الحرب ووقفها، ودعم غزة ، كانت نموذجا يستحق الاحترام ، فقد تحركت السياسة الأردنية ،بما لديها من خبرات ومهارات، انطلاقا من ثوابت الدولة ، وفي سياق فهم أسباب هذه الحرب تداعياتها ،وموقع الأردن منها، وتأثيرها على مصالحه، وربما حدوده ووجوده أيضا، مما يتطلب البناء على ما تم والاستثمار فيه.

‏لا يحتمل المقال تقديم مقاربات لما جرى على صعيد سلوك واشنطن والغرب عموما ، فقد ثبت أن أي تحالف أو علاقة مع هذه العواصم يظلل أسيرا لمعادلة عنوانها” مصلحة إسرائيل”، وبالتالي فإن الرهان عليها يبدو مجرد حسابات خاطئة ، جربنا ذلك أكثر من مرة ، آخرها صفقة القرن التي انحازت ضد مصالحنا تماما ، كما لا يحتمل المقال الدخول في تفاصيل سلوك تل أبيب ، لأن ما فعلته في غزة ، وأقل من ذلك بالضفة الغربية ، ابشع من كل ما يمكن أن يُقال، وهي لن تتردد عن تكراره مع أي طرف يهدد مصالحها، ما يعني أن أي علاقة معها يُفترض أن تكون محل إعادة نظر وتقييم ، ومراجعة سريعة أيضا.

‏على الصعيد العربي والإقليمي ، انتزعت عمان موقع الصدارة والسبق في الاشتباك مع وقائع الحرب و اطرافها ، كما انتزعت، أيضا، ما يلزم من معرفة وخبرة بمواقف الأشقاء العرب والفاعلين الاقليميين ، كل هذا كان ضروريا لمعرفة أين نضع اقدامنا ، وما هي خياراتنا في هذه المنطقة ، ثم ما الأدوار التي يمكن أن نقوم بها مستقبلا ؟ مراجعات فرز التحالفات ، أو ترسيم حدود العمق السياسي ، والروافع المناسبة ، أصبحت ضرورية ، سواء فيما يتعلق بملف القضية الفلسطينية وقواها الداخلية ، أو بملفات الإقليم وعواصمه التي تباينت مواقفها اتجاه الحرب ، بما تم الإعلان عنه، أو بما ظل مستورا وراء الكواليس.

‏كل هذه المراجعات والاستدارات مطلوبة ، في إطار تقدير الموقف ، والتحرز لأي تحولات في المستقبل ، وكذلك من اجل تنويع الخيارات ، بما يتناسب مع تداعيات واستحقاقات المرحلة القادمة ، لكن الأهم -بتقديري- هو ملف الداخل الأردني ، أقصد ترتيب البيت الأردني ، من خلال العلاقة بين الدولة والمجتمع بشكل عام ، وبين الإدارات العامة ،والنخب التي تمثل الأردنيين وتتصدر المشهد العام، صحيح الحرب كشفت عناصر قوة مشتركة بين الطرفين ، و أبرزت قيمة “لم الشمل ” الوطني ، وقدرة الدولة على صناعة انسجام عام ، على أهداف محددة ، تصب في خدمة المصالح الوطنية العليا ، لكن الصحيح ،أيضا ، هو أن حالة الشارع ، بما حفل به من خطاب ” حراكي” وتظاهر، تحتاج إلى وقفة عميقة ، تتجاوز المجاملات واحتفاءات ” الضرورة ” ، إلى التدقيق بالصورة الوطنية من كافة جوانبها.

‏يمكن أن أشير هنا إلى جملة ملاحظات، اولا :قضية المواطنة ، وما تطرحه من أسئلة ،أعتقد أنها ما تزال معلقة بلا إجابات، ثانيا: ” القضية الأردنية ” كبوصلة تحدد اتجاهات الدولة والمجتمع ، وتعكس سلوك الشارع عند الأزمات الكبرى، ثالثا: الخطاب العام للتظاهر ، والدعوات التي جرت على هامشه، (الإضراب أو العصيان أو فتح الحدود.. الخ) ، وما افرزته من تباينات في تقدير مصلحة الدولة من قبل النخب أولا ، وجيل الشباب الغاضب ثانيا ، اكتفي بأن أقول : إن بعض أنماط هذا الخطاب كانت خطيرة ( نقطة) .

رابعا : الأداء السياسي لبعض إدارات الدولة ومؤسساتها ، أقصد النخب الرسمية ، كان متواضعا بالمقارنة مع المواقف والإنجازات التي قام بها الملك في أكثر من اتجاه ، وعبّر عنها وزير الخارجية بوضوح ، ما يعني أن الروافع الرسمية، المؤسساتية، بحاجة إلى فاعلية أكثر ، وهذا ما يستدعي المراجعة أيضا، خامسا: حان الوقت لطرح قضية الاعتمادية الوطنية ، باعتبارها الخيار الأول والمخرج لأي إستدارة قادمة ، اقصد ، هنا ، الاعتمادية في مسارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي . الخ ، وهي تتطلب تعميق منظومة التحديث الشامل ، والتعامل معها بجدية وأمانة ، بدون أي تباطئ أو تأجيل .

Share This Article