محمد القرعان – بعد عقود من القيادة والتأثير الأمريكي في الشرق الأوسط، باتت صورة الدولة العظمى صاحبة القرار الأول والأخير تتحول بسرعة مذهلة إلى وضعية الانتظار والترقب. هذا التحول المفاجئ والمدهش لم يكن مجرد تبدّلًا عابرًا في الساحة الدولية، بل كان نتيجة لسلسلة من السياسات والتصرفات التي تسّلمت بها إدارة نتنياهو مفاتيح تغيير حقيقية لدور الولايات المتحدة في المنطقة.
قد يبدو واضحًا أن نتنياهو لم يكن راضيًا بمجرد أن تكون الولايات المتحدة مجرد شريك إستراتيجي، بل سعى جاهدًا لتحويلها إلى أداة تنفيذية تُقدم تضحيات وتساند بلا تردد أجندته السياسية. بدأ هذا التحوّل بتفكيك العلاقات الثنائية القائمة بين البلدين، حيث استخدم نتنياهو كل وسائل الضغط والتأثير لإظهار القوة الإسرائيلية كمحور حيوي في سياسة الشرق الأوسط.
لم يقتصر دور نتنياهو على تعزيز القوة العسكرية والسياسية لإسرائيل، بل تجاوز ذلك ليشمل محاولاته لتشكيل سياسات الولايات المتحدة نحو المنطقة بالكامل. عبر توجيه اللوم والتهديدات المباشرة، استطاع نتنياهو توجيه سير القرارات الأمريكية لتخدم أجندته، دون أن يكترث كثيرًا لتبعات هذا السلوك على دور الولايات المتحدة كدولة تسعى للسلام والعدالة الدولية.
في إطار سياساته العدائية والمتطرفة تجاه القضية الفلسطينية، استعرض نتنياهو استخدام القوة العسكرية بشكل وحشي لم يسبق له مثيل، مما أدى إلى تصاعد التوترات والصراعات في المنطقة بأكملها. هذه السياسات لم تقتصر على إضعاف العلاقات العربية الإسرائيلية فحسب، بل اوقفت قطار التطبيع وعملت أيضًا على زعزعة استقرار الشرق الأوسط بشكل عام، مما أثّر بشكل كبير على موقف الولايات المتحدة وصورتها في المنطقة.
إن نتنياهو بات رمزًا للتحدّي للأعراف الدولية وللقانون الدولي، ما دفع العديد من القوى السياسية والاجتماعية في إسرائيل وخارجها إلى انتقاده بشدة بشتى الطرق والوسائل وكان العديد منها من خلال عشرات الوقفات الاحتجاجية المنددة والرافضة لسياسات الابادة الجماعية التي لم تتوقف منذ شن الهجوم الوحشي على قطاع غزة . ومع ذلك، بات واضحًا أن الولايات المتحدة لم تتمكن من استعادة مكانتها وسلطتها بنفس القوة والثقة التي كانت تتمتع بها قبل تدخّل نتنياهو في توجيه السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط.
إن تغيّر دور الولايات المتحدة وتراجعها في المنطقة لم يكن ناتجًا فقط عن تحرّكات نتنياهو، بل كان نتيجة لتراجع في الرؤية الاستراتيجية الأمريكية وتأثيرات عدة على الساحة الدولية. لكن دور نتنياهو كرئيس حكومة إسرائيل له دور فاعل في هذا التحول، مما يجعله نقطة تحوّل في تحديد دور ومكانة الولايات المتحدة في المنطقة خلال الفترة الأخيرة والقادمة.
كيف غير نتنياهو دور أمريكا في الشرق الأوسط؟
