صراحة نيوز- د. حيدر المجالي
إن توقعات المستقبل الاقتصادي للدول تعتمد على العديد من العوامل كالسياسة والتكنولوجيا والديمغرافيا والتحديات العالمية وغيرها من الظروف. ولأهمية هذه العوامل يجب إيجاد إطار شامل يراعي خصوصية موقع الدولة والتقاليد والأوضاع الإقليمية والدولية السائدة.
إن الاقتصاد المتقدم هو الاقتصاد القادر على تحقيق النمو القوي والمستدام والمعتمد سياسة التنوع في القطاعات الاقتصادية والاستخدام الأمثل للتكنولوجيا المتقدمة والابتكار كالذكاء الاصطناعي وتقنيات الإنترنت والتكنولوجيا المالية بالإضافة إلى التطور في القطاعات الحيوية الأخرى كالنقل والاتصالات والمرافق الحديثة والدعم اللوجستي والقائم على تحرير التجارة وتحفيز القطاع الخاص وتوفير الاستقرار الاقتصادي والسياسي والتشريعي والساعي إلى توفير مستوى معيشة أفضل في الدولة.
إن مستقبل الأردن الاقتصادي يشغل بال الكثيرين ويثير اهتمام الشعب الأردني والمجتمع الدولي خاصة في ظل هذه الظروف الصعبة ولهذا فإن العوامل المؤثرة في المستقبل الاقتصادي ستكون مرتبطة بعدة جوانب محلية وإقليمية ودولية من المفترض أن يتم مناقشتها على مستوى وطني لوضع خريطة طريق واضحة لها. وبنظرة سريعة فإن هناك العديد من الجوانب التي يجب النظر اليها عند الحديث عن مستقبل الأردن الاقتصادي لنقله من المرحلة التقليدية الحالية إلى مرحلة مستقبلية متطورة تراعي التقدم العلمي والتكنولوجي في علم الاقتصاد لنرى نموذجا متقدما ومرحلة تلبي طموحات جلالة الملك ومساعي سمو ولي العهد في إحداث التنمية الشاملة لنقل الأردن إلى مستوى متطور.
ولتحقيق المستقبل الاقتصادي المشرق للأردن يجب البدء بثورة اقتصادية بيضاء شاملة لكافة المجالات الخدمية والعملية والتعليمية ويجب اعتماد آليات وطرق جديدة لتوفير الخدمات للمواطنين بشكل جيد كما يجب اعتماد مبادئ اقتصادية دولية متطورة تعتمد على التكنولوجيا وتسخيرها لخدمة المجتمع. كذلك يجب العمل على تغيير أنماط التفكير المجتمعي لاستيعاب التطورات التكنولوجية والتقدم العلمي السائد والتركيز على الاقتصاد ومدخلاته كحل رئيسي لقضايا المجتمع وتحدياته والتوسع في استخدام ادوات التكنولوجيا المالية والبنوك الإلكترونية وتفعيل منظومة الحكومه الإلكترونية في كافة مناحي الحياه مع الحفاظ على موروثنا الديني والتاريخي والاجتماعي ما أمكن. بالإضافة إلى ذلك فإنه من المهم تعزيزالقطاع السياحي وتنشيطة حيث يتمتع الأردن بمواقع متنوعة تثري المخزون السياحي وتدعم الخدمات السياحية لجذب السياح ورفع نسبة مساهمة السياحة في الناتج المحلي إلى أكثر من 15 %.
إن تغيير آلية العمل سينقل الاقتصاد الأردني المؤهل والمنيع إلى مستوى متقدم لنرى ارتفاع في معدلات النمو وتطور في قطاع الصناعة والصناعات التحويلية وقفزات إيجابية في سوق العمل مما يتيح المجال للتوسع الأفقي والنوعي في بيئة الأعمال
وسيحسن من مستوى الأداء الاقتصادي لينعكس إيجابا على تطورالمجتمع. ولتحقيق ذلك يجب إعادة هيكلة الاقتصاد وإدخال معالجات حثيثة للأداء الاقتصادي المحلي مثل، تعزيز الاستثمار في البنية التحتية الأساسية وتنمية القطاعات الاقتصادية الواعدة كالتكنولوجيا والاتصالات والسياحة والطاقة المتجددة واعتماد أساليب حديثة في التنمية وتعزيز منظومة التعليم وتطوير المهارات لدى الشباب وتوفير منصات التأهيل والتدريب المتخصصة التي ترعى تطويرهم وتقدمهم. وكذلك يجب العمل على تسخير الخدمات الإلكترونية واستخدام التكنولوجيا المالية كقيمة مضافة لقطاع الخدمات المالية المتطور في الأردن لنشهد في المستقبل اقتصادا أردنيا متقدما ومزدهرا كما أراده جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم.
ان الانتقال إلى مستقبل اقتصادي متقدم يتطلب جهودا من الحكومة والمجتمع معا بحيث يتم العمل على تحقيق هذا الهدف المنشود بأسرع وقت وبشكل ينعكس إيجابيا على الحياة العامة وقد تسهم بعض الإجراءات المحلية والمذكورة أعلاه في الوصول إلى المبتغى وهو تحسين أداء الاقتصاد أملا بإحداث تحديث اجتماعي وسياسي تبعا لذلك. على صعيد آخر فإن تمكين المرأة في الاقتصاد وتفعيل دورها يعد أحد الإجراءات المهمة لتسهيل انتقال الأردن إلى مستوى متقدم وقد بذل الأردن جهودا كبيرة لتأطيرهذه الحقيقة دستوريا وقانونيا حيث أصبحت حقوق المرأة مصانة وأصبح دورها محوريا في إحداث التنمية الاقتصادية بالرغم من محدوديتها وفقا للمؤشرات العالمية التي بينت أن نسبة تمكين المرآة في الأردن تبلغ 13.8 % فقط. أيضا يجب تعزيز مبادئ الحوكمة الرشيدة والنزاهة والشفافية ليشعر الجميع بالعدالة واختلاف الأوضاع وتحسنها. من جهة أخرى يجب تعزيز التوازن الاجتماعي والتنمية الشاملة بحيث يتم توفير الفرص لجميع الفئات مع التركيز على تحسين الخدمات الاجتماعية والأسرية كالرعاية الصحية والإسكان وتوفير فرص العمل والتصدي بحزم لمشكلتي الفقر والبطالة لدعم مساعي التنمية والوصول إلى اقتصاد أردني متقدم.
اما التحديات المحتملة لتنفيذ خطط الانتقال للمستوى الاقتصادي المتقدم فتشمل تحديات أمنية دولية تتمثل في الإرهاب والصراعات الإقليمية والتهديدات السيبرانية وهي تحديات حقيقية وخطيرة وتتطلب تعاونا دوليا للتغلب عليها. في حين أن هناك تحديات وطنية وداخلية تتضمن شح التمويل وتوفر السيولة والإجراءات الإدارية اللازمة لتنفيذ البرنامج مثل الروتين الحكومي وتبسيط البيروقراطية والصعوبة في استخدام التكنولوجيا وتوفر الكفاءات واعتماد التقنيات الحديثة والمتقدمة بالإضافة إلى أهمية التنسيق والشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص. وفيما يتعلق بكيفية التغلب على هذه التحديات فعلى الأردن أن يتعامل معها من خلال إستراتيجية وطنية واضحة
وداعمة لفكرة تطوير اقتصاد الأردن وانتقاله إلى مراحل متقدمة. كذلك يجب العمل على تعزيز المناخ التجاري وتعزيز التجارة الدولية وجذب الاستثمارات الأجنبية وخلق فرص عمل جديدة للشباب والعاطلين وتشجيع الابتكار والبحث العلمي وريادة الأعمال وتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية وتنويع الاقتصاد وتعزيز السياحة والتعاون مع المؤسسات الدولية والاقليمية للحصول على الدعم والتأييد المطلوبين في تنفيذ الخطط المستقبلية الواعدة لرفع كفاءة المجتمع المزمع نقله الى مرحلة متقدمة.
في النهاية أن الانتقال بالأردن إلى مستوى متقدم يتماشى مع طموحات جلالة الملك وسمو ولي العهد ومساعيهما في تغيير نمط التفكير من تقليدي إلى متطور بحيث يتماشى مع التحديات الاقتصادية في عالمنا المعاصر وذلك لإيمانهم أن العقلية الأردنية فذة ومنتجة وستتغلب على المصاعب والتحديات بوعي وذكاء كبيرين فللأردنيين تجارب نجاح عديده أسهمت في تغيير اقتصادات دول عديدة لما هو أفضل فلماذا لا تستخدم عصارة هذه التجارب لمساعدة الاقتصاد الوطني على التقدم. ان إيمان جلالة الملك وسمو ولي العهد بنقل الأردن إلى مصاف الاقتصادات المتطورة ينبع من رؤية ثاقبة لمواكبة آخر التطورات فالأردن يجب أن لا يستمر على نفس النهج الاقتصادي والاجتماعي ولا بد من إدخال تعديلات إيجابية على اقتصاده. ان هذا الانتقال النوعي في الاقتصاد الأردني يعد خيارا لا مفر منه ويعتبر حلا واقعيا للمستقبل إلا أنه يتطلب أيضا الالتزام والمثابرة والاستعداد للتعلم والتغيير ونبذ الأفكار التقليدية والتسلح بالعلم والمعرفة كنماذج عمل مستقبلية متمنين ان تتوج جهود جلالة الملك وسمو ولي العهد في دعم ومساندة المجتمع الاردني والاقتصاد الأردني لتأمين انتقال حقيقي إلى مرحلة متقدمة مقرونة بمؤشرات نمو صحيحة وفعالة.
*خبير اقتصاد واستثمار