الكرامة نهج الأردنيين

6 د للقراءة
6 د للقراءة
الكرامة نهج الأردنيين

صراحة نيوز- الدكتور رجائي حرب

عندما انزاح غبار المعركة في أرض الكرامة الخالدة، واتضحت معالم النصر المبين وتموضعت تحولات المشهد الوطني في آذار الأغر، وصدحت وسائل الاعلام العالمية بهزيمة جيش العدو الصهيوني الذي أراد أن يتمادى في غيه، ويتعدى خط الوعد الالهي؛ الذي تحدث عنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم في ملاحم آخر الزمان، عندما قال: ( لتقاتلن المشركين حتى يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن، أنتم شرقيه وهم غربيه ) رواه الطبراني والبزار.
فكان جند الكرامة بواسل الجيش العربي هم جند الله الذين استعملهم لردع الطغمة الفاسدة من تدنيس أرض الأردن الطاهرة. فاندحر العدو ولم يستطع أن يخرج من ورطته وهزيمته النكراء إلا بعدما دفع الثمن الغالي؛ وانتصر صناديد الجيش المصطفوي على الظالمين الذين زاغوا فأزاغ الله أبصارهم
وتعود الذكرى، ويفرح كل الأردنيين، ويستنشقون عبق ذلك العز، وعظمة ذلك المجد الذي بنت صروحه الباسقات أرواح الشهداء البواسل التي صعدت إلى بارئها، ورسمت فصلاً من فصول الدفاع عن شرف الأمة. تعود الذكرى المجيدة والمنطقة تغرقُ في بحرٍ لجيٍ من الهيمنة الغربية، وتحت نير الصلف الصهيوني المسيطر على القرار الدولي؛ في منطقةٌ مأزومةٌ ما زالت تلعنُ نفسها، وتسبُ القادم من أيامها؛ عندما لا تجد جيشاً عربياً يكرر فعل الكرامة الذي قمنا به في بواكير عمرنا كأردنيين، ليقتصَ من هذا العدو، وليفزعَ لحقن الدم العربي البريء المهدور على مذابح الكرامة العربية في غزة وفلسطين. ولينهي هذا الذل العربي الذي أغرقنا به بعض هواة السياسة والرويبضة الذين يعملون عمل المبضع في أجساد أوطاننا وهم يتنافسون على المناصب ترفاً ورغبةً في تعظيم أموالهم؛ ويهمشون الأوفياء المخلصين؛ فيهدمون طموحاتنا بسمو أوطاننا.
إننا أحوج ما يكون في هذه اللحظات العصيبة لإظهار عظمة القدرة الأردنية في معركة الكرامة؛ وأن نسترسل في سرد قصص الجنود الأبطال الذين رسموا حدود الشمس بدمائهم على جدران الزمن كي يعرف الجميع أننا في هذا الوقت الصعب ما زلنا نتوق لتكرار ذلك الفعل الخالد لندافع عن شرفنا، ولنحقن دماء إخوتنا في الأرض المباركة في معركةٍ بطوليةٍ نرسم فيها قصص النصر والبطولة والفداء، لتشكلَ مصدر عزٍ جديد، والهام تكون فيه نهضة الأمة بأكملها بعدما أصبحت فلسطين هي بوصلة الساعين للمجد: إما بالنصر أو الشهادة. وبعدما تعطلت كل سنن الكون وصارت بوابة الحق هي من خلال النصر المبين على هوام الأرض وخفافيشها، ولكي نخرس الناعقين الذين يشككون بشرعيتنا، وقدرتنا على الوقوف في وجه الذئاب التي اردت ثوب البراءة والعفة وقلوبها تقطرُ كفراً وقهراً وسُماً زعاف.
إن متانة النسيج الاجتماعي الأردني، وصبر الأردنيين أمام جرائم الابتزازٍ السياسي والاقتصادي؛ ومنغصات الحياة الكبيرة التي نتعرض لها كل يوم في الأردن مكشوفةً أمام الجميع ونعلم أنها تريد من هذا الشعب أن يثور على قيادته، ومن أجل أن يفتح المجال لصيادي الفرص السياسية على المستوى الدولي لتفكيك هذا الحمى الأردني المقدس وانتهاك حرمته وتشتيت شعبه الذي ما زال ينبض حباً وشرفاً وكرامة. ولكننا في كل مرة وبعد كل مؤامرة نخرج من دوامتها بحكمة قيادتنا ووعي شعبنا وتصميمنا على البقاء والاستمرار.
إن متانة النسيج الأردني هي التي جعلتنا نقف في وجه كل القضايا المصيرية التي انزرعت في طريقنا مثل فك الارتباط مع إخوتنا الفلسطينيين في نهاية حقبة الثمانينيات، وحروب الخليج الثلاث، واللجوء العراقي، ودخول جيوش الغرب الى المنطقة، والأحداث الإرهابية الدموية في فنادق عمان الحبيبة على يد أؤلئك الأفاقين في 9/11/2005م، وأحداث الربيع العربي الذي انحرف عن معناه الحقيقي، وأحداث غزة التي فطرت قلوبنا جميعاً وغرست معول الهدم في رجولتنا وكرامتنا العربية والانسانية؛ فظهر أن استجابة الأردنيين للتحدي كانت دائماً في مستوى التوقعات، وشكلوا موقفهم السامي، وتصرفوا بصبر القادر، وهدوء الحكيم، وتسامح الكبير، ودخلوا في دائرة الفعل لحماية أمنهم ووطنهم دون أن يتخلوا عن دورهم الإنساني في غوث الملهوف أو الهارب من بطش نظامه أو ملاحقته في عرضه وماله، وكانت الأردن هي أرض الأمن والأمان وشعبها آخر ما تبقى من ركائز الإنسانية الصادقة.
إن ظروف نشأة دولتنا، وارثة الثورة العربية الكبرى والرسالة السمحة المعتدلة للاسلام، تجعل الشخصية الأردنية تحمل من الأعباء ما لا تتحمله أية شخصية أخرى في المنطقة، وتجعلها يقظة حاضرة، تخرج من معركة لتدخل في معركة أخرى. حتى ارتسمت هذه الشخصية واتصفت بالعناد، والصبر، والخلق الوعر، والمبالغة في ردود الفعل.
إن الحديث عن يوم الكرامة هو حديث كله شجون، لأن هذا الوطن ما زال يشعر بالخجل ويرفض أن يترجل ما دام هناك جائعين، وخائفين، ومقهورين، وما زال يشعر بالقهر بعدما انكشفت سوءة العالم المتحضر الذي تخاذل عن نصرة الحق واغتصاب الانسانية على أرض غزة؛ وهو لا يستطيع أن يقدم إلا النزر اليسير من فزعة الأردنيين الحقيقية التي قدمها يوماً من أرواح أبنائه كايد مفلح العبيدات، وعودة أبو تايه، ومحمد الحنيطي، وفراس العجلوني، ومنصور كريشان، ووصفي التل، وهزاع المجالي، ومعاذ الكساسبة وحسين حرب وراشد الزيود وبلال الشريدة ومصطفى الدومي ومعاذ بني حمد وسائد المعايطة وقائمة الشهداء تطول؛
وسنبقى نكتب أسفار الكرامة ونرددها في كل عام حتى نصل إلى يوم النصر العظيم الذي تتحرر فيه مدينة القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وتعود فيه الشخصية الأردنية لترسم للعالم حدود الشرف من جديد

Share This Article