الأردنيون ودولتهم : مصارحات في لحظة انكشاف

5 د للقراءة
5 د للقراءة
الأردنيون ودولتهم : مصارحات في لحظة انكشاف

‏صراحة نيوز- ‏حسين الرواشدة

‏ماذا يريد الأردنيون من دولتهم؟ لا يوجد ،حدّ علمي، أي حزب أو تيار سياسي قدّم إجابة واضحة على هذا السؤال ،،فيما تشير كل استطلاعات الرأي التي صدرت ، خلال الأعوام الماضية ، إلى أن اغلبية الأردنيين غير راضيين عن الأداء العام لمؤسساتهم الرسمية والشعبية، لكن دون أن تحدد ما هو المطلوب لتحسين الأداء .

الأردن ،ربما ، البلد الوحيد في محيطنا العربي الذي يترتب عليه -بناءً على رغبة مواطنيه والمقيمين فيه – أن يكون مشروعا للجهاد في داخله ، وللجهاد أيضا على الجبهات الأخرى ؛ أقصد الجهاد المدني والعسكري معا، ويُحمّلونه مسؤولية أي تقصير ، ولا يترددون عن توجيه أقسى أنواع النقد والتشكيك ، وربما الإساءة إليه ، حتى لو قام بكل ما يستطيع.

‏أعرف ، قائمة المطلوب من الدولة طويلة وثقيلة أيضا ، يمكن لأي أردني أن يسترسل بتعدادها، إبتداءً من العدالة والحريات العامة ، إلى العيش الكريم ومستلزماته، إلى العملية السياسية و مساراتها ، كما يمكن الإشارة إلى التراجعات والأزمات والخيبات التي نواجهها.

كل أردني مشروع لمظلومية ما خاصة به، كل أردني يتوجس من القادم ، كل أردني يريد أن يكون بلده أفضل بلد في العالم ، لكن الحقيقة الغائبة هي أننا لم نفهم الدولة كما يجب ، ولم تتمكن الدولة من تقديم نفسها للأردنيين كما يجب ، الدولة هنا ليست إدارات فقط ، وإنما إمكانيات وظروف ،خيارات واضطرارات، جزء من إقليم وعالم مضطرب ، الأردنيون كذلك ليسوا قلبا واحدا ، ولم يعودوا بسيطين كما كان آباؤهم وأجدادهم ..الدولة تغيرت ،وهم تغيروا أيضا.

‏أفضل إجابة لما يريده الأردنيون من دولتهم، كما اكتشفنا من دروس الحرب على غزة ، هي أن تكون قوية ومنيعة وقادرة على الصمود ، درس القوة والمنعة والصمود هو درس الحرب تماما ، القوة والمنعة والصمود لا يمكن اختزالها في عنصر مادي فقط ، وإنما تتجاوزه إلى كافة العناصر الإنسانية والمعنوية التي تشكل مداميك لبناء الدولة والمجتمع .

لاحظ ،هنا ،أن كل ما يمكن الاستطراد به حول الاقتصاد والسياسة ، الهوية والمواطنة، حالة النخب والمجتمع ، ينطوي تحت عنوان الجاهزية والقوه ، الإرادة والقدرة ، لأن مقابل ذلك سيكون العجز والضعف ، والاستدراج للوقوع بالحفر والأفخاخ، وقبول المطروح بلا نقاش، ثم الاستسلام للأمر الواقع دون أي مقاومة او اعتراض.

‏الدولة تستمد قوتها من صلابة جبهتها الداخلية ، وعزيمة أبنائها الحريصين عليها ، وكفاءة إداراتتها العامة وقدرتها على ضبط إيقاع الأحداث ، والتعامل معها بحرفية وحكمة وهدوء ، وعلى تحريك عجلة التنمية ، وتعديل المزاج العام ، وإقناع الكل بأنهم شركاء ، هل فعلت الدولة الأردنية ذلك ؟ اترك الإجابة للقارئ العزيز ، لكن من تجربتي ،خلال الأشهر الخمسة الماضية ،أقول بثقة : الدولة الأردنية أقوى مما يتصور البعض ، وأقدر على مواجهة الأزمات الكبرى وإدارتها .

لقد ثبت أن حالة “الاستثناء ” التي انتزعناها على مدى عقود ماضية كانت نتيجة طبيعية لقوة الدولة ومنعتها ، وبالتالي حان الوقت لكي ‫ننصف دولتنا ونعتز بها، لا أقصد ،أبدا ، أن نغمض أعيننا على الأخطاء (وما أكثرها)، المطلوب ان نفتح عيوننا على الواقع ، وما يحيط بنا من كوارث ، لكي ندرك كيف صمدت الدولة ، وكيف استمرّت ، وكيف نحافظ عليها ، ثم نحاسبها إذا لزم الأمر ، ونتوقع منها المزيد.

‏نعم ، يستحق الأردنيون أكثر من ما قدم لهم، وأكثر مما يطالبون به ، يستحقون الحرية والعدالة والحياة الكريمة ،يستحقون إدارات عامة تمثلهم وتحظى بشرف خدمتهم ، ونخبا واعية تتحدث باسمهم، ولا تكذب عليهم، يستحقون مشروعا وطنيا يجتمعون عليه، ويصبون فيه ما لديهم من طاقات وكفاءات.

لكن في المقابل ، تستحق الدولة أن يبادلها أبناؤها التحية بمثلها ، وأن يفهموا حركتها ويقدروا إمكانياتها، تستحق أن يتعاملوا معها بما يلزم من اعتراف ومعروف وإنصاف، ولا يتربصوا بها، ويتنكروا لها كما يفعل الذين يقايضونها بحسبة المصالح ، أو الذين يحسبون أنها مجرد مطار للعبور، أو “بازار ” لتوزيع الغنائم والحصص، أو مجرد “مقام” لشق الصدور وتبادل اللطميات والمظلوميات.

أكيد الأردنيون المخلصون لا يفعلون ذلك أبدا.

Share This Article