صراحة نيوز- كتب النائب م سليمان السعود رئيس لجنة فلسطين النيابية
– غزة لا تُقصف فقط… بل تُجتث. يُجتث شعبها من جذوره، يُجتث الحق من قلبه، وتُجتث القيم من ضمير هذا العالم الذي لم يعد يرى، ولم يعد يسمع، ولم يعد يشعر.
ما يجري في غزة ليس “صراعًا” كما تصفه وكالات الأنباء الغربية، بل هو مجزرة ممنهجة، إبادة شعب على مرأى ومسمع العالم المتحضر الذي سقط في هذا الامتحان الأخلاقي سقوطًا مدويًا. عشرات الآلاف بين شهيد وجريح ومفقود، ملايين تحت الحصار والجوع والخوف، وأرض تُفرغ من أهلها عنوة، بغطاء دبلوماسي وقانوني دولي لا يخجل من التواطؤ.
لم يعد مقبولًا أن نقول إن غزة تُعاني… غزة تُنحر، والسكين دولية، واليد إسرائيلية، والمشهد مغطى بشرعية كاذبة تُمنح للمجرم بحجّة الدفاع عن النفس! فأيّ دفاع عن النفس هذا الذي يدفن الأحياء تحت الركام؟ أيّ دفاع عن النفس الذي يستهدف المستشفيات والمدارس ومخيمات النزوح؟ أيُّ دفاعٍ هذا الذي يقتل الأطفال بعشرات الآلاف، ويحرم الأم من أطفالها والأب من بيته؟
إن ما يحدث اليوم هو عارٌ تاريخي على البشرية جمعاء، وعلى المنظومة الدولية التي تثبت كل يوم أنها تملك معايير مزدوجة في القيم، وتُحابي القاتل إذا كان قويًا، وتلوم الضحية إذا صرخت.
وفي خضم هذا الانهيار الأخلاقي العالمي، يرتفع صوت جلالة الملك عبد الله الثاني، لا كزعيمٍ عربي فحسب، بل كضمير إنساني نادر، وموقف سياسي مبدئي لا يلين.
جلالة الملك لم يهادن، لم يساير، لم يُهادئ على حساب الدم الفلسطيني، بل قالها في كل محفل: “لن يكون هناك أمن ولا استقرار في المنطقة دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، ودون وقف العدوان على غزة فورًا.”
هذا الصوت الملكي النبيل لا يأتي من فراغ، بل من إرث هاشمي عريق، ومن التزام تاريخي لا يقبل المساومة. هو موقف قائد لا يخشى في الحق لومة لائم، وهو اليوم يقود معركة سياسية شرسة في وجه صمت العالم وتخاذل المؤسسات، من أجل كسر الحصار، ووقف العدوان، وإيصال المساعدات الإنسانية دون إذلال أو ابتزاز.
نعم، هناك مساعدات تصل، وهناك جهود تُبذل، وأنا شخصيًا على تواصل مستمر مع الهيئة الخيرية الهاشمية، ونشهد استمرار وصول القوافل والدعم، ولكن، ولأقولها بوضوح:
لا تكفي المساعدات إذا لم تُكسر اليد التي تفرض الحصار، ولا تنفع المعونات إذا ظل القاتل طليقًا، يرتكب مجازره على الهواء مباشرة.
المطلوب اليوم ليس فقط المساعدات – مع أنها واجب – بل المطلوب تحرك سياسي عميق ومؤثر، ضغط دبلوماسي جريء، لا يعرف التردد، ولا ينتظر إذنًا من واشنطن أو رضا من تل أبيب.
المطلوب أن نعيد تعريف الحق في هذا العالم الأعور، وأن نقولها بملء الفم:
إسرائيل ترتكب جريمة حرب، ومن يصمت عنها شريك في الدم.
كفى خنوعًا، كفى انتظاراً، كفى صمتًا!
غزة لا تحتاج عبارات التضامن، بل تحتاج موقفًا يُربك الاحتلال، ويقلب الطاولة، ويُحرّك الشارع الدولي ويُحرج العواصم الصامتة.
البرلمانات، الحكومات، المؤسسات الدينية، النقابات، الشباب، الإعلام… كلنا معنيون. الصمت خيانة، والتأجيل جريمة، والحياد نفاق.
غزة تصرخ اليوم، ليس فقط من شدة القصف، بل من خذلان الأقربين، وتواطؤ البعيدين، وصمت من يدّعون الإنسانية.
وفي وجه هذه الكارثة، لا نملك رفاهية الكلام الموزون ولا الخطب الباردة…
نملك فقط شرف أن نكون في صف الحق، وأن نُسمّي الأشياء بأسمائها.
الاحتلال مجرم… والمجتمع الدولي متواطئ… ونحن لن نسكت.
سنبقى نصرخ، ونكتب، ونحاصر القتلة بالكلمة والموقف والضمير، حتى تتوقف هذه المجزرة…
أو حتى نستشهد ونحن نُقاومها بالكلمة.