صراحة نيوز- في ظل التنافس العالمي المحموم على الريادة في قطاع الذكاء الاصطناعي، تسعى الدول العربية إلى بناء نماذجها الخاصة لتعزيز حضورها الرقمي، وخلق منظومة تقنية تعكس خصوصيتها الثقافية واللغوية.
هذا التوجه يعكس طموح المنطقة في أن تكون لاعباً أساسياً في مستقبل الاقتصاد الرقمي، لكن يبقى السؤال: هل تستطيع هذه النماذج منافسة عمالقة عالميين مثل ChatGPT وGemini وGrok، أم أنها لا تزال في طور التأسيس وتحتاج إلى مزيد من التطوير؟
إذ تشهد المنطقة العربية طفرة في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، حيث تتنوع المبادرات بين السعودية، الإمارات، قطر ومصر، ولكل منها أهداف وجماهير مستهدفة مختلفة.
ففي السعودية، قدمت شركة “هيوماين” نموذج Humain Chat، كأول نموذج عام ومجاني يستهدف المستخدم السعودي مع قدرات باللغتين العربية والإنجليزية وتركيز خاص على اللهجات المحلية، فيما أطلقت أرامكو نموذج Metabrain المخصص لموظفيها بحجم ضخم يصل إلى 250 مليار مُعامل، مدرّب على بيانات صناعية لتعزيز الكفاءة التشغيلية.
أما الإمارات، فقد رسخت مكانتها عبر سلسلة Falcon المفتوحة المصدر، التي تتراوح أحجامها بين 40 ملياراً و180 مليار مُعامل، إلى جانب نسخة موجهة خصيصاً للعربية تحت اسم Falcon Arabic بحجم 7 مليارات مُعامل، بالإضافة إلى سلسلة Falcon H1 التي تضم نماذج أصغر (من 500 مليون إلى 34 مليار مُعامل) ومتعددة اللغات.
كما أطلق معهد الابتكار التكنولوجي في أبوظبي نموذج Noor بالتعاون مع “لايت أون” الفرنسية، بحجم 10 مليارات مُعامل ومخصص للأكاديميين والباحثين. في قطر، ظهر نموذج Fanar الذي يجمع بين نسختين هما Fanar 7B وFanar Prime بحجم 7 و9 مليارات مُعامل، مدرّب على بيانات تراثية وثقافية ليتفاعل مع اللهجات القطرية والعربية
. وأخيراً في مصر، أطلقت شركة WideBot نموذج AQL (عقل) بحجم 7 مليارات مُعامل، مصمم للاستخدام المؤسسي ويدعم العربية إلى جانب الإنجليزية والفارسية والتركية والعبرية.
السعودية: هيوماين تشات وأرامكو ميتابرين
قدّمت السعودية نموذج Humain Chat بوصفه أول نموذج عربي عام ومجاني، قادر على التفاعل باللغتين العربية والإنجليزية مع تركيز خاص على الفصحى واللهجات المحلية. يعكس النموذج الهوية الثقافية ويُتوقع إطلاقه على مستوى الشرق الأوسط في أكتوبر المقبل.
أما شركة أرامكو فقد دخلت السباق من زاوية مختلفة عبر نموذج Metabrain الذي يضم 250 مليار مُعامل، مدرّب على 7 تريليونات نقطة بيانات من تاريخ الشركة الهندسي والعملياتي. يستخدم داخلياً لتعزيز الكفاءة التشغيلية وحل المشكلات الصناعية، ويُعد من أضخم النماذج الصناعية عالمياً.
الإمارات: فالكون ونور وجيس
برزت الإمارات كلاعب رئيسي في تطوير النماذج اللغوية الكبيرة. أطلق معهد الابتكار التكنولوجي سلسلة Falcon بدءاً بـ Falcon-40B المفتوح المصدر، وصولاً إلى Falcon-180B الذي يُعتبر من أقوى النماذج عالمياً. كما قدّم نسخة موجهة للعربية تحت اسم Falcon Arabic، قادرة على معالجة الفصحى واللهجات بفعالية تضاهي نماذج أكبر حجماً.
إلى جانب ذلك، قدّم المعهد نموذج Noor بحجم 10 مليارات مُعامل، مدرّب على أكبر مجموعة بيانات عرب Jais، فقد انطلق عبر تعاون بين G42 الإماراتية وجامعة محمد بن زايد، لكنه فقد زخمه مع تركيز الشركة على نماذج عالمية أخرى.
قطر: فنار
أطلق معهد قطر لبحوث الحوسبة نموذج Fanar بالشراكة مع وزارة الاتصالات، مستنداً إلى 1.3 تريليون رمز نصي و300 مليار كلمة عربية من مصادر تراثية وثقافية
مصر: عقل
دخلت مصر السباق عبر شركة WideBot التي أطلقت نموذج AQL بحجم 7 مليارات مُعامل في مؤتمر “ليب 2025”. صُمم لدعم العربية ولهجاتها إلى جانب لغات أخرى مثل الفارسية والتركية والعبرية، ويُستخدم حالياً على المستوى المؤسسي فقط، فيما لا يزال النموذج الوطني المصري الرسمي قيد التطوير ضمن استراتيجية الذكاء الاصطناعي 2025 2030.
شراكات عالمية لتعزيز القدرات
لم تقتصر جهود المنطقة على التطوير المحلي فقط، بل اعتمدت على شراكات استراتيجية مع شركات عالمية. فقد تعاونت Humain السعودية مع شركة Groq الأميركية لتوفير بنية تحتية سحابية، وأبرمت اتفاقيات مع AWS وAMD لدعم التطوير التقني.
وفي الإمارات، جرى دمج نماذج فالكون مع خدمات NVIDIA السحابية، فيما أسهمت Google Cloud في تدريب واستضافة نموذج فنار القطري.
نماذج مكملة أم منافسة حقيقية؟
تشكل النماذج العربية خطوة استراتيجية نحو سد الفجوة اللغوية والثقافية في قطاع الذكاء الاصطناعي. فبينما تتفوق هذه النماذج في التعامل مع اللغة العربية واللهجات المحلية، فإنها لا تزال في طور إثبات قدرتها على منافسة اللاعبين الكبار عالمياً. ومع ذلك، تمثل مشاريع مثل Falcon Arabic وNoor أمثلة واعدة على إمكانية تقديم أداء يقارب أو يتفوق في المهام العربية على نماذج أكبر حجماً.
وفي النهاية، تبدو النماذج العربية كجزء من خطة أشمل لبناء اقتصاد رقمي متكامل، قادر على استثمار الذكاء الاصطناعي لزيادة الإنتاجية وتعزيز الاستقلالية التقنية، خاصة مع مشاريع ضخمة مثل Stargate الإماراتي الذي يطمح إلى بناء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي قادرة على خدمة نصف سكان العالم.