صراحة نيوز-بمحاولة للتستر على سياسة التجويع الممنهجة التي تنفذها في قطاع غزة، وقّعت الحكومة الإسرائيلية عقودًا دعائية ضخمة مع شركات تكنولوجية عالمية مثل غوغل ومنصة إكس، بهدف نفي وجود مجاعة في القطاع وتعزيز روايتها الرسمية أمام تصاعد التحذيرات الدولية من كارثة إنسانية.
وكشف تحقيق استقصائي لموقع “دروب سايت نيوز” عن توقيع عقد بقيمة 45 مليون دولار بين الحكومة الإسرائيلية وغوغل، يمتد لستة أشهر، ويتضمن إنتاج محتوى دعائي يظهر وفرة الغذاء في غزة، من خلال مقاطع تُظهر أشخاصًا يعدون الطعام، يُروّج لها على أنها تمثل الواقع في القطاع.
وبحسب التحقيق الذي أعده الصحفي عبد القادر عراضة، فإن هذا العقد وُقّع مباشرة مع مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، في إطار حملة دعائية تُستخدم فيها وسائل الإعلام كسلاح دعائي في الحرب، واستُكملت الحملة بإعلانات ممولة عبر منصات غوغل ويوتيوب وإكس وميتا، إضافة إلى الاستعانة بمؤثرين أميركيين لتسويق رواية “لا وجود لمجاعة في غزة”
. في أغسطس الماضي، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية مقطعًا دعائيًا على يوتيوب بعنوان “هناك طعام في غزة.. أي ادعاء آخر كذب”، حظي بانتشار واسع نتيجة الحملة الإعلانية المدفوعة. ووفق تحقيق “دروب سايت”، فإن الحكومة الإسرائيلية أنفقت 3 ملايين دولار على عقد إعلاني آخر مع منصة “إكس”، إلى جانب نحو 2.1 مليون دولار دُفعت لشركة “آوت براين تيادس” الفرنسية الإسرائيلية.
ووصفت وثائق رسمية إسرائيلية هذه الحملة بأنها جزء من “هاسبارا”، وهي مصطلح عبري يشير إلى مزيج من العلاقات العامة والدعاية، هدفه نفي الجوع والتشكيك بالمعلومات المتداولة حول الأوضاع الإنسانية. التحقيق أشار أيضًا إلى أن إسرائيل استخدمت غوغل لتشويه صورة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، بل وذهبت حد اتهام الأمم المتحدة بتعمد عرقلة دخول المساعدات، كما روجت لمؤسسة “غزة الإنسانية” المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، وهاجمت مؤسسات حقوقية مثل “هند رجب” التي تجمع أدلة على جرائم الحرب الإسرائيلية. في سياق آخر، أشار التحقيق إلى أن غوغل، من خلال مشروع “نيمبوس” المشترك مع أمازون منذ 2021، تقدم خدمات الحوسبة السحابية للحكومة والجيش الإسرائيليين، وهو ما اعتبرته المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيزي انتهاكًا للقانون الدولي، مؤكدة أن غوغل تستفيد من الإبادة الجارية في غزة، فيما رد المؤسس المشارك لغوغل سيرغي برين على هذه الانتقادات بوصف الأمم المتحدة بأنها “معادية للسامية”.
وتأتي هذه الحملة في وقت وثقت فيه منظمات دولية، بينها الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، استخدام إسرائيل للتجويع كسلاح حرب، ووصفت أفعالها بأنها تشكّل جرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية.
المحاضر في إدارة الإنترنت بجامعة كولومبيا، بيتر ميسيك، قال في مقابلة مع الجزيرة إن الحملات الإعلامية المصاحبة للحروب ليست جديدة، لكنها اليوم تُدار عبر شركات التكنولوجيا الكبرى، التي تتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية عندما تسمح باستخدام منصاتها لترويج معلومات مضللة، مضيفًا أن غوغل وغيرها من الشركات مطالبة بكشف طريقة استخدام بيانات المستخدمين وما إذا كانت تُستخدم في النزاعات المسلحة، وسط دعوات متزايدة للشفافية والمساءلة.