رحلت أمي… وسقط من قلبي عمود الحياة

3 د للقراءة
3 د للقراءة
رحلت أمي… وسقط من قلبي عمود الحياة

صراحة نيوز – بقلم –  المهندس مدحت الخطيب –

 

لم تكن أمي امرأة عادية، كانت سيدة نساء الأرض، الحنونة التي جمعتنا تحت جناحيها، وصاحبة القلب الكبير الذي لم يعرف ضيقاً ولا قسوة. كانت أمّاً تُشبه الوطن، تُشبه السلام، تُشبه الدعاء المستجاب…
لم تكن فقط تمنحنا الحب، بل كانت تُعطي الحياة معناها.. كانت مدرسة في الصبر، وقدوة في العطاء، وبلسماً يشفي كل جرح بكلمة أو نظرة أو ابتسامة.
بغيابها أدركت أن الحياة قد ضاقت ، وأن الدفء الحقيقي لا يُوجد إلا في ظلها…

لقد فقدتُها، وفقدتُ معها نفسي.
ما عاد البيت بيتاً بعد رحيلها، ولا الأيام أياماً، حتى الهواء صار ثقيلاً، وحتى الفرح صار بعيداً. كل شيء صار بارداً، خالياً، كأن الروح نُزعت من تفاصيل العالم.

يمه…. يا سيدة نساء الأرض، يا صاحبة القلب الذي لم يتسع له الكون كله، رحمكِ الله بقدر ما أعطيتِ وأحببتِ وغمرتِنا حناناً لا ينتهي.
ست سنوات مضت منذ أن أغلقتِ عينيكِ يا أمي للمرة الأخيرة، ست سنوات ولا يزال الغياب يثقل صدري كأن اللحظة لم تمر بعد. كنت أظن أن الزمن دواء، وأن الأيام قادرة على تخفيف حدّة الفقد، لكنني اليوم أكتشف أن الزمن لا يداوي جرح الأم، بل يزيده عمقًا ويفتحه مع كل ذكرى وكل موقف وكل تفصيل صغير كان يذكّرني بكِ…

لقد علّمتني الحياة أن خسارة الأم ليست مجرد فقدان لشخصٍ عزيز، بل هي اقتلاع لجذر الروح من أعماقها. كنتِ حضن الأمان، وملجأ الدعاء، وصوت الرحمة في هذا العالم القاسي. ومع رحيلك، انطفأ شيء داخلي، وكأن جزءًا من قلبي دفن معكِ ولن يعود.

قبل سنوات، كنت أظن أن ما أشعر به مبالغة في العاطفة، وأن حزني الممتد ليس سوى ضعف. لكن العلم نفسه أثبت أن جزءًا مني بقي فيكِ، وأن خلاياي كانت تعيش في جسدك حتى بعد ولادتي، تبقى معكِ سنوات طويلة كأنها عهد صامت بين الأم وولدها. واليوم أفهم: لمَ كان رحيلك يشبه انتزاع نفسي من نفسي؟ لأنكِ لم تكوني مجرد أم، بل كنتِ امتدادًا لي وأنا امتداد لكِ.
يمه وكم اشتاق أن أسمع هذه الكلمة ست سنوات مرت، كبرتُ فيها كثيرًا من الخارج، لكن بداخلي ما زلت طفلًا يبحث عنكِ في الزحام، يتمنى أن يختبئ بين ذراعيكِ حين تشتد العواصف. ست سنوات وأنا أحمل دعاءك المؤجل وحنانك الغائب وابتسامتك التي لا تُعوَّض…

رحمكِ الله رحمةً واسعة، وجعل قبرك روضةً من رياض الجنة، وجمعني بكِ في دار لا فراق فيها. ستبقين الحاضر الغائب، والجرح الجميل الذي يذكّرني أنني عشتُ يومًا في رحمةٍ اسمها “أم حيدر “…

Share This Article