صراحة نيوز- كتب أ.د. محمد الفرجات
في زمن تتشابك فيه الأزمات وتضيق فيه خيارات الشباب، يطل على الأردن مشروع استراتيجي شامل قادر على أن يقلب المعادلة من جذورها، ويعيد للأمة الأمل والكرامة والمكانة التي تستحقها. إنه مشروع العاصمة الجديدة “مدينة عُمرة” شرق عمان، الممتد بظله إلى البوادي بثلاثة أجنحة من القرى الإنتاجية الذكية، ليشكل معًا خارطة النهضة الأردنية الكبرى التي تقودنا نحو مئويتنا الثانية.
صيف عام 2016 أطلقت فكرة مدينة المغتربين الذكية، وفي بداية 2017 أطلقت حكومة الملقي فكرة المدينة الجديدة شرق عمان، مدار بحثنا اليوم. وعليه فالمشروع تناقلته الحكومات، وأصبح اليوم محرك إقتصادي وإستحقاق تنموي لإنعاش الاقتصاد الأردني، والذي وللأسف مع أزمة كورونا وحرب غزة تأخر، ولا نريد تحت أي ظرف أن يشكك أحد بالنوايا، ويربطه بظروف الإقليم السياسية، ولا مجال للتفاصيل هنا.
وفي لقاء تشرفت فيه بالحديث مع جلالة الملك في قصر الحسينية في شتاء 2021، قدمت هذه الرؤية كاملة وبالتفاصيل التالية.
لماذا مدينة “عمرة”؟
الاعتبارات المكانية والهندسية والبيئية والاقتصادية تؤكد أن شرق عمان هو الموقع الأمثل لإنشاء العاصمة الجديدة:
أرض واسعة مملوكة للخزينة.
موقع استراتيجي على شبكة الطرق الوطنية.
بيئة ملائمة للطاقة الشمسية والنقل العصري.
مساحة قادرة على استيعاب توسع مستقبلي لقرون قادمة.
مدينة “عمرة” ليست مجرد تجمع سكني جديد، بل مدينة ذكية حديثة تجسد الرؤية الملكية لنهضة الأردن:
مدينة إدارة وحوكمة ورقمنة.
مدينة علم وصناعة وابتكار.
مدينة جاذبة لرؤوس الأموال والاستثمارات الكبرى.
مركز إقليمي لمشاريع الذكاء الاصطناعي، النانوتكنولوجي، الصناعات الدوائية، الاقتصاد الأخضر، والزراعة الذكية.
مدينة طبية عالمية تُعزز مكانة الأردن في السياحة العلاجية.
إنها ببساطة بوابة الأردن إلى الثورة الصناعية الرابعة، وعنوان مشروع الملك النهضوي.
القرى الإنتاجية الذكية: الامتداد الاقتصادي للمشروع في المملكة
لكن العاصمة الجديدة وحدها لا تكفي. فالأردنيون في قراهم وبواديهم ومخيماتهم بحاجة إلى أن يكونوا شركاء في النهضة، لا مجرد متفرجين عليها. من هنا يبرز مشروع خمسين قرية إنتاجية ذكية موزعة على البوادي الثلاث: الشمالية والوسطى والجنوبية.
هذه القرى ليست فقط مساكن للشباب، بل مصانع وحقول ومراكز إنتاج حقيقية، تعيد توزيع السكان، وتوفر فرص عمل، وتحقق الأمن الغذائي والمائي والطاقة، وتمنع دواعي الهجرة المناخية الخطيرة.
تصوراتها تشمل كأمثلة:
قرية للزراعة الذكية في بادية الأزرق.
قرية للصناعات الغذائية في بادية معان.
قرية لتربية المواشي وإنتاج الأعلاف في الجفر.
قرية لصناعات الحليب في الموقر.
قرية للصناعات الصغيرة في الصفاوي والرويشد.
قرية للحوسبة والذكاء الاصطناعي في البادية الوسطى.
قرية للسياحة البيئية والتراثية في وادي رم أو الحميمة.
قرية تكنولوجيا وتصنيع المسيرات للغايات السلمية، قرية تكنولوجيا الأمن السيبراني، قرية البحث والتطوير والانتاج الدوائي، قرية تطوير البرمجيات، قرية تكنولوجيا النانوتكنولوجي، قرية صناعات مواد البناء، القرية الطبية العالمية، قرية المغتربين الذكية العصرية، قرية الانتتاج السينمائي، قرية الط… إلخ.
الأهم أن هذه القرى ستكون سكنية إنتاجية جاذبة، تشغل ذاتها من إيراداتها، وتعتمد على:
– الطاقة المتجددة عبر محطات شمسية ورياح لتغطية احتياجاتها.
– المياه الجوفية العميقة في البادية لتأمين مياه الشرب والاستخدام المنزلي.
– الحصاد المائي لتجميع مياه الأمطار في مواسمها.
– تكنولوجيا التكيف مع آثار التغير المناخي للحد من الطلب على المياه والطاقة، وضمان استدامة الإنتاج.
إن هذه المنظومة لا توفر فقط سكنًا وفرص عمل للشباب، بل تمثل ركيزة من ركائز الأمن القومي، إذ تضمن للأردن أمنًا غذائيًا ومائيًا وطاقة مستدامة، وتعيد التوازن الديموغرافي والاجتماعي.
السيناريو التمويلي: من الأرض إلى النهضة
السؤال المركزي: كيف نُموّل هذا المشروع العملاق؟
الجواب يبدأ من حيث نملك: الأرض.
1. بيع الأراضي المخططة في مدينة “عمرة”
تقوم الحكومة بتقسيم وطرح مساحات واسعة من الأراضي المخصصة للسكن والتجارة والصناعة والخدمات، وبيعها لمستثمرين محليين وعرب وأجانب.
عوائد البيع تخصص مباشرة لصندوق استثماري وطني لإقامة البنية التحتية والفوقية: شوارع، جسور، أنفاق، شبكات مياه وكهرباء، محطات طاقة شمسية، اتصالات، وحدائق عامة.
جزء من العوائد يخصص لتمويل بناء مؤسسات حكومية، جامعات، مستشفيات، ومراكز أبحاث في المدينة الجديدة.
2. تخصيص جزء من العوائد للقرى الإنتاجية الذكية:
كل دينار يدخل من مبيعات الأراضي في “عمرة” يذهب جزء منه لتمويل إنشاء القرى الذكية في البوادي.
التمويل يغطي بناء مساكن بسيطة، مراكز صحية وتعليمية، شبكات مياه وكهرباء شمسية، إضافة إلى تجهيز القطاعات الإنتاجية المتخصصة لكل قرية.
3. آليات داعمة إضافية:
مساهمات البنوك والشركات الكبرى ضمن مسؤوليتها الاجتماعية.
دعم الصناديق السيادية (صندوق الضمان الاجتماعي، صندوق الاستثمار الأردني).
شراكات استثمارية مع دول صديقة وشركات عالمية، خصوصًا في قطاع الطاقة المتجددة والتقنيات الحديثة.
إصدار “سندات نهضة” مخصصة للمواطنين والمغتربين، تُمكّنهم من أن يكونوا شركاء في المشروع.
حسابات الكلفة والعائد:
مدينة عمرة ستتحول إلى أكبر مشروع استثماري وعمراني في تاريخ الأردن، وبمجرد إعلان المخطط الشمولي المفصل وبدء بيع الأراضي ضمن أسس ومعايير معلومة، ستتدفق مليارات الدنانير، تُستخدم لتشييد المدينة وتطوير البنية التحتية والفوقية دون أن تتحمل الخزينة ديونًا جديدة.
القرى الذكية ستستوعب مئات آلاف الشباب، وتوفر لهم فرص عمل مباشرة في الإنتاج، وتعيد توزيع السكان، وتخفف الضغط عن عمان والمدن الكبرى.
النتيجة:
– خفض البطالة والفقر.
– إسناد الأمن الغذائي والمائي.
– استقرار اجتماعي وأسري.
– تعزيز الأمن القومي الأردني.
– زيادة في دخل الدولة من الضرائب والرسوم والعوائد الاستثمارية.
مشروع يقابل رؤية الملك بإمتياز :
إن ما نطرحه ليس حلمًا، بل خطة عملية متكاملة، ذات أساس علمي وتمويلي واضح.
العاصمة الجديدة “عمرة” ستكون العنوان الحضاري الحديث للأردن.
القرى الإنتاجية الذكية ستكون الامتداد الشعبي الذي يحقق التوازن المجتمعي والتنمية الشاملة.
الصندوق الاستثماري الوطني الممول من عوائد بيع الأراضي سيضمن استدامة التنفيذ والشفافية.
الرسالة إلى حكومة د. جعفر حسان:
لقد حان وقت القرارات الكبرى، فالأردن بحاجة إلى مشروع وطني جامع تتبناه الحكومة، ويشارك فيه الجميع.
مشروع مدينة عمرة والقرى الإنتاجية الذكية هو الحل الجذري لأزمات العطش والفقر والبطالة والطاقة والأمن الغذائي والأمن القومي.
عوائد اقتصادية واجتماعية وسياسية متوقعة:
إلى جانب النتائج المباشرة، ستولد “مدينة عمرة” والقرى الذكية عوائد استراتيجية:
– تشغيل عشرات الآلاف من الشباب وخفض معدلات البطالة بنسبة قد تصل إلى 5–7% خلال سنوات قليلة.
– زيادة الناتج المحلي الإجمالي بما لا يقل عن 2–3 مليارات دينار سنويًا بعد اكتمال المرحلة الأولى.
– انتعاش قطاعات البناء، الطاقة المتجددة، النقل، الاتصالات، السياحة، والقطاع المالي.
– إيجاد بيئة اجتماعية صحية تقلل الهجرة وتعيد الثقة بين المواطن والدولة.
– ترسيخ الاستقرار السياسي والأمني عبر إدماج الشباب في مشاريع وطنية منتجة.
– تعزيز مكانة الأردن الإقليمية كنموذج في التنمية المستدامة الذكية.
فلتمضِ حكومة د. جعفر حسان إلى الأمام، ولتسجل في تاريخها أنها أطلقت مشروع مدينة عمرة، المشروع الذي سيدخل الأردن مئويته الثانية قويًا مزدهرًا، متوازنًا، آمنًا، ويليق بشعبه وتاريخه ومستقبل أجياله.
تفاصيل أكثر عن القرى الانتاجية:
يمتد مشروع القرى الإنتاجية الذكية ليشمل إنشاء خمسين قرية موزعة استراتيجياً على البادية الجنوبية والوسطى والشمالية، بحيث يراعى التوازن الجغرافي وعدم تمركز التنمية في جهة واحدة. هذا التوزيع يتيح للبوادي الثلاث أن تتحول إلى مراكز إنتاج وحياة متكاملة، ويعيد توزيع السكان بشكل أفضل، بما يخدم الأمن القومي والتنمية الشاملة.
وتقوم فلسفة المشروع على تنويع التخصصات والأنشطة داخل القرى، بحيث تشمل الزراعة الذكية والأمن الغذائي، الصناعات الغذائية والتحويلية، السياحة البيئية والتراثية، التكنولوجيا والبرمجة، الطاقة المتجددة وإعادة التدوير، الصناعات الدوائية والطبية، الصناعات الصغيرة والحرفية، إضافة إلى القرى اللوجستية والتجارية. وبهذا التنوع تتكامل القطاعات وتتكافل في خدمة الاقتصاد الوطني، مع ضمان استدامة التشغيل والإنتاج.
تقدر كلفة إنشاء كل قرية بحوالي خمسين مليون دينار، أي ما مجموعه 2.5 مليار دينار لكامل المشروع. وتأتي هذه المبالغ عبر مزيج من عوائد بيع أراضي العاصمة الجديدة “عمرة”، وشراكات مع الصناديق السيادية، وقروض ميسرة من صناديق التنمية الدولية، بالإضافة إلى سندات نهضة وطنية موجهة خصيصاً لهذا الغرض.
وإذا كان الهدف في السنوات العشر الأولى ليس تحقيق أرباح مالية مباشرة، فإن التركيز ينصب على تغطية كلف التشغيل والإنتاج والرواتب، بما يضمن استدامة القرى وخلق بيئة عمل وحياة متكاملة. فالمطلوب في هذه المرحلة هو تثبيت الأسر وتمكين الشباب العاملين من الاستقرار داخل هذه القرى، دون ضغوط تجارية آنية، إلى أن تصل بعد عقد من الزمن إلى مرحلة التصدير وتحقيق عوائد اقتصادية وطنية.
على مستوى التوظيف، توفر كل قرية نحو 1200 فرصة عمل مباشرة في مجالات الإنتاج المختلفة، إضافة إلى نحو 2000 فرصة غير مباشرة في التجارة المحلية والتعليم والصحة والخدمات والنقل وسلاسل التوريد. وبذلك يصل مجموع الوظائف في القرية الواحدة إلى ما يقارب 3200 وظيفة. ومع إنشاء خمسين قرية، يرتفع العدد الكلي للوظائف إلى 160 ألف فرصة عمل، منها 60 ألف وظيفة مباشرة و100 ألف وظيفة غير مباشرة.
ومع توطن هذه العمالة داخل القرى رفقة أسرها، يُتوقع أن تستوعب القرى الخمسون ما يقارب 240 ألف نسمة، أي ربع مليون مواطن أردني، يعيشون في بيئة حضارية ذكية تعتمد على الطاقة المتجددة والحصاد المائي والتقنيات الحديثة، بما يوفر لهم حياة كريمة، ويعيد توزيع الكثافة السكانية نحو مناطق البادية.
أما على المستوى الوطني، فإن الأثر يتجاوز التشغيل ليشمل الجوانب الاجتماعية والسياسية والأمنية. فمن الناحية الاقتصادية، يسهم المشروع في خفض معدلات البطالة بنسبة قد تصل إلى 6–8% وطنياً، ويحقق استقراراً في سلاسل الإنتاج المحلي. ومن الناحية الاجتماعية، يوفر بيئة آمنة ومستقرة لأسر الشباب، ويمنحهم أملاً بمستقبل أفضل. سياسياً، يعزز المشروع ثقة المواطنين بالحكومة ويعيد بناء جسور الولاء والانتماء على أسس عملية ملموسة. وأمنياً، يحد من الهجرات الداخلية غير المنظمة، ويثبت السكان في مناطق استراتيجية تعزز الأمن القومي.
إن مشروع القرى الإنتاجية الذكية ليس مجرد مبادرة تشغيلية، بل هو مشروع وطني استراتيجي يعادل في أثره اكتشاف ثروة طبيعية جديدة للأردن. فبعد عشر سنوات من التأسيس، ومع استقرار التشغيل والإنتاج، ستتحول هذه القرى إلى مراكز تصدير وتنافس إقليمي في الغذاء والدواء والبرمجيات والطاقة، لتصبح بحق روافع اقتصادية واجتماعية تعيد رسم مستقبل المملكة.
الأمر المهم هو أن مدينة عمرة والقرى الانتاجية ستشغل في منشآتها ومصانعها ومرافقها الخدمية وقطاعاتها، الطبيب والمهندس والمعلم والمحاسب والفني والسائق والمهني والعامل… إلخ، وكل في مجاله وحقل تخصصه.