إعجابات افتراضية… ومشاعر حقيقية: الوجه الآخر لوسائل التواصل الاجتماعي

3 د للقراءة
3 د للقراءة
إعجابات افتراضية... ومشاعر حقيقية: الوجه الآخر لوسائل التواصل الاجتماعي

صراحة نيوز- بقلم الدكتور ليث خريس

في زمنٍ أصبحت فيه الشاشات رفيقة يومية لا تفارق أيدينا، تحولت وسائل التواصل الاجتماعي من مجرد وسيلة ترفيه إلى مساحة يعيش فيها الناس تفاصيل حياتهم، ويعبرون من خلالها عن أفكارهم ومشاعرهم. ومع كل إعجاب أو تعليق أو مشاركة، تنبض هذه المنصات بمشاعرٍ حقيقية، لكنها تظل محصورة في عالمٍ افتراضي تحكمه الخوارزميات والشاشات الباردة.
وسائل التواصل الاجتماعي، بما تحمله من قدرة على جمع الملايين من مختلف أنحاء العالم في فضاءٍ رقمي واحد، غيّرت شكل العلاقات الإنسانية. فبلمسة إصبع يمكننا التواصل مع شخص في قارة أخرى، ومتابعة أخبار العالم لحظة بلحظة، والتعبير عن آرائنا بحرية. ومع ذلك، فإن هذا القرب الرقمي جاء على حساب البعد الإنساني الواقعي. فالكثير من الناس باتوا يعيشون عزلة اجتماعية مقنّعة، تحيط بهم قوائم طويلة من الأصدقاء والمتابعين، لكنهم يفتقدون دفء اللقاء الحقيقي والنقاش المباشر.
الإعجابات الافتراضية أصبحت عملة هذا العصر. يبحث عنها الكثيرون كدليل على القبول والاهتمام، وكأنها شهادة تقدير رقمية تُمنح لكل من يُتقن لعبة الظهور. ومع مرور الوقت، تحولت هذه الحاجة إلى نوعٍ من الإدمان النفسي، إذ يبدأ الشخص في قياس قيمته الذاتية بعدد الإعجابات أو المشاهدات التي يحصل عليها، لا بما يمتلكه من مهارات أو قيم حقيقية. وقد أثبتت الدراسات أن الإفراط في استخدام وسائل التواصل يمكن أن يؤدي إلى القلق والاكتئاب والشعور بالنقص، خصوصًا عند المقارنة المستمرة بحياة الآخرين المثالية التي تُعرض على الشاشات.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار الجانب المضيء لهذه الوسائل. فهي منحت الشباب فرصًا جديدة للتعبير والإبداع، ووفرت منصة لأصحاب الأفكار والمشاريع ليصلوا إلى جمهور واسع دون قيود. كما ساهمت في نشر الوعي الاجتماعي والبيئي والإنساني، ووفرت منبرًا لمن لا صوت لهم، وميدانًا للتفاعل والتضامن في قضايا كثيرة. المشكلة ليست في الوسيلة ذاتها، بل في طريقة الاستخدام، فالتقنية يمكن أن تكون أداة بناء أو وسيلة هدم، بحسب وعي المستخدم وثقافته الرقمية.
التوازن هو الحل. فالتواصل عبر الإنترنت لا يجب أن يلغي التواصل الواقعي، والاهتمام بالعالم الافتراضي لا ينبغي أن يطغى على الحياة الحقيقية. يمكننا أن نستفيد من مزايا هذه الوسائل دون أن نصبح أسرى لها، وذلك من خلال وضع حدود زمنية لاستخدامها، وتجنب مقارنة الذات بالآخرين، والتركيز على العلاقات الواقعية والأنشطة الحياتية التي تنمّي الشخصية وتغذي الروح.
وسائل التواصل الاجتماعي ليست شرًا مطلقًا ولا خيرًا خالصًا، بل هي مرآة لواقعنا المعاصر تعكس ما نزرعه فيها من محتوى ومشاعر. الإعجابات الافتراضية قد تُرضي غرورنا لحظة، لكنها لا تعوض عن التقدير الحقيقي، ولا تُغني عن الكلمة الصادقة أو اللقاء الإنساني الدافئ. يبقى الخيار بأيدينا: إما أن نستخدم هذه المنصات بوعي يجعلها وسيلة للتعبير والتقارب، أو نسمح لها بأن تسرق منّا أنفسنا تحت وهج الشاشات البراقة.
إن المشاعر الحقيقية لا تُقاس بعدد المتابعين، ولا تُقاس بقلوبٍ رقمية، بل تُقاس بصدق التفاعل الإنساني، بالابتسامة الواقعية، وبالكلمة التي تُقال وجهًا لوجه. فلتكن وسائل التواصل وسيلة للتقريب لا للتفرقة، ولنبقَ بشرًا في عالمٍ يزداد افتراضيةً يومًا بعد يوم.

Share This Article