صراحة نيوز- د.بهاءالدين القضاة
تُعتبر العلوم الإنسانية فرعاً من فروع المعرفة المختصة بدراسة البشر و ثقافتهم بطريقة علمية باستخدام المناهج النقدية والتحليلية للتساؤلات المرتبطة بالقيم الإنسانية وقدرة الإنسان على التعبير عن نفسه، وتمتاز العلوم الإنسانية عن غيرها من التخصصات الأكاديمية بمضمونها و منهجها المختلف، وتُوصف العلوم الإنسانية بأنّها دراسة تحليلية لخبرات وأنشطة البشر، و معرفة آليات معالجتهم للتجربة البشرية وتوثيقها … فالإقتصاد — والعلوم السياسية — و علم الإنسان — و علم الاجتماع —و علم النفس — و الإحصاء في علم الإجتماع — كذا دراسات الصحف والإعلام – والقانون .. جميعها فروع للعلوم الإنسانية.. !!
وكما يعلم الجميع أن علم القانون يعد من العلوم الاجتماعية الإنسانية؛يهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد في المجتمع .. فالصلة وثيقة بين علم القانون وعلم الاجتماع !!!
فالقاعدة القانونية هي التي يتكون من مجموعها القانون، بمعنى أنها الوحدة أو الخلية التي يتكون منها القانون بأكمله، وتُعرف بأنها: القاعدة القانونية هي مبدأ قانوني يستهدف تنظيم السلوك الإنساني داخل المجتمع، وتوجيهه توجيهًا عامًا وملزمًا وفق نظام اجتماعي يتوافق مع الغايات والأهداف المترسبة في الضمير الجماعي العام لمجتمع معين .
وعليه؛فإن النشاط البشري ونمط الحياة في أنظمة بيئية مختلفة وكذلك معرفة كيفية تأثر سلوك الإنسان اتجاه البيئة بمعتَقَداته الفكرية والثقافية، وتكمن أهمية ذلك في فهم الأثر الحقيقي الذي يتركه الإنسان على بيئته، وهذه القضية الأساسية التي يتناولها هذا النهج تكون في محاولة الإنسان لاستغلال موارد الطبيعة ﻹشباع حاجاته المختلفة، مما تنمو علاقاته بالبيئة وموجوداتها وأحدث تراكيب اجتماعية مختلفة في الزمان والمكان ساعدته على أن يعيش ويعمل في مجموعات، تراوحت بين المدن الكبرى ذات الملايين من السكان إلى القرية الصغيرة، والمزارع الأسرية الخاصة.
ولم يعش الناس في المجموعات المتباينة منعزلاً، وإنما عملت شبكة المواصلات السريعة المتقدمة من برية وبحرية وجوية، وعلاقات السوق التجارية الاقتصادية والاجتماعية، إذ تتكامل الوظائف الاقتصادية في المجتمعات الحديثة حول السوق، وتنشأ المدن كنتيجة للتفاعل التنافسي بين الناس، والتخصص في أداء الوظائف، والخدمات وتوزيع الموارد المختلفة، في بيئة عنها في أخرى، ثم وسائل المواصلات والاتصالات، وكلما زاد المجتمع تصنيعاً زاد تمدناً، فيهاجر سكان الريف إلى المدن في أعداد كبيرة ويصبح الاتجاه إلى اتساع المدن أهم ظاهرة بعد الانفجار السكاني.
ومما لا شك فيه أنّ ظاهرة التمدن أصبحت مشكلة ضخمة تواجه المجتمعات على اختلاف أنواعها، كانت تزداد حدة ووضوحاً في المجتمعات النامية، ومقارنة سريعة لعدد السكان في مدن مجتمع ما نامي خلال حقبة زمنية من تاريخه الحديث تكشف لنا عن مدى زيادة حجم السكان في تلك المدن بصورة أكبر مما عليه معدلات النمو السكاني في القطاع الريفي أو البدوي من ذات المجتمع، رغم ارتفاع معدلات الزيادة السكانية في قطاع الريف بكثير عما عليه الحال في قطاع الحضر .. وبما أن كل ذلك ضمن تخصص علم الاجتماع الأيكولوجي الذي يهتم بدارسة الظواهر الاجتماعية، مثل ظاهرة الزواج أو الطلاق، لذا فان وضع الدراسات الاجتماعية التي تصف حال المجتمع في زمن معين يسهل على المشرع التعرف إلى الظواهر الاجتماعية المختلفة، ووضع القواعد القانونية المناسبة لها بشكل يضمن تناسب القاعدة القانونية والظاهرة الاجتماعية حيث يبدو من الوهلة الأولى صعوبة تحقيق اتحاد إيجابي بين القانون وعلم الاجتماع، مادام رجال القانون يكتفون بدراسة الماهية القانونية، و علماء الاجتماع يفسرون الماهية الواقعية، أي دراسة الظواهر الاجتماعية.
وبغية الإلمام أكثر بسوسيولوجيا القانون تتخصص كنقطة أولى لتاريخ نشأة علم الاجتماع القانوني أو سوسيولوجيا القانون بصورة شاملة لتتطرق لعلم الاجتماع القانوني حيث يجمع علم الاجتماع القانوني بين علم الاجتماع من جهة، و القانون من جهة ثانية، و هذا كان سببا في طرح صراع بين الحقلين المعرفيين، بسبب اختلاف طرق التفكير و البحث، و الهدف لكل منهما، و قد شكل هذا الصراع محور مبررات التباعد و الصراع بين علماء الاجتماع و فقهاء القانون، و تأخير التقارب بينهما، و لعل من أبرز العلماء الذين ناقشوا هذه الموضوعات، العالم جون جورفيتش، إذ ذهب إلى أن أهم أسباب هذه الاختلافات، مرجعها إلى أن دراسة علم الاجتماع القانوني تتصل بالقانون من جهة و بعلم الاجتماع من جهة ثانية، و هناك اختلاف في التفكير و مناهج البحث في مجالي فقه القانون و علم الاجتماع القانوني إلا أن الاتصال القائم بين كلا الحقلين من الناحية الواقعية أدى إلى تقاربهما بشكل تدريجي، فالقانون يعد حقيقة اجتماعية يمكن دراسته من زاوية علم الاجتماع،و تطبيق مناهجه عليه.
و لم يظهر علم الاجتماع القانوني إلا بعد الحرب العالمية الثانية، بعد تزايد انفتاح علم الاجتماع على كل ما هو سياسي أو قانوني، رغم أن مجموعة من علماء الاجتماع و فقهاء القانون قد ساهموا من قبل في إبراز ذاتية علم الاجتماع القانوني، و استقلاله كفرع من العلوم الاجتماعية ( علم الاجتماع القانوني) أو كفرع من العلوم القانونية (سوسيولوجيا القانون) ،ك إميل دوركايم، و ماكس فيبر، و يوجين إيرليخ، و نيكولا تيماشوف، و غيرهم، كما كانت هناك إسهامات غير مباشرة أشار إليها أفلاطون و أريسطو و ابن خلدون و مونتسكيو و أصحاب فلسفة العقد الاجتماعي، بالإضافة إلى وجود اتجاهات فكرية رائدة مهدت لظهور علم الاجتماع القانوني خلال القرن ال 20 فبعد تأسيس مجلة ” وثائق فلسفة القانون و علم الاجتماع القانوني” سنة 1931 تلاها انعقاد مؤتمرين بفرنسا سنة 1956 و 1958، و بدأ علم الاجتماع القانوني يدخل إلى كليات الحقوق و العلوم الاقتصادية في باريس ابتداء من 1956، ثم ظهرت بعد ذلك مجموعة من الدراسات في أوروبا و أمريكا، و تزايد المهتمين و الباحثين في ها المجال، و ظهرت مراكز للأبحاث في دول مختلفة ساهمت في تطور الدراسات الاجتماعية للقانون.
إن مفهوم سوسيولوجيا القانون أو علم الاجتماع القانوني تثير عدة إشكاليات تتعلق أساسا باختلاف التعاريف التي أعطيت له من قبل المفكرين، و تنوع مواضيعه و صعوبة تعيين حدوده، تبعا لتعدد المنطلقات، و هذا إنما يدل على تعدد مواضيع علم الاجتماع القانوني و غناها، و التي تبين عن مكانته العلمية و أهميته العملية.
إن القانون ظاهرة موجودة في المجتمع بل في كل المجتمعات المنظمة التي تخضع لسلطة أو هيئة حاكمة تسهر على التنظيم و الضبط فلا قانون و المجتمع وجهان لعملة واحدة إذ لا يتصور قانون دون مجتمع و لا مجتمع بدون قانون.
وقد عرف البعض علم الاجتماع القانوني، بأنه علم صياغة القوانين ومن ثم تهتم سوسيولوجيا القانون بدراسة نشأة القاعدة القانونية و أسباب تطورها و الآثار الاجتماعية الناتجة عن تطبيقها ،،، و لقد أكد المهتمين بهذا الحقل المعرفي على أهمية علم الاجتماع القانوني، بسبب تركيزه على دراسة النظام القانوني في إطار وسطه الاجتماعي، مما يساهم في تجاوز قصور الدراسات القانونية المحضة، فهو يتيح الاستفادة من مناهج البحث السوسيولوجي في دراسة الظاهرة القانونية و بالتالي المساهمة في جودة القانون، و في ترشيد المشرع و إنارة الطريق له نحو اعتماد أفضل القواعد القانونية الناجعة لمحاربة ظاهرة معينة، عن طرق توجيه المشرع نحو عناصر محددة تجنب إضاعة المجهودات و تشتتها، و ما يتطلبه ذلك من كلفة مادية و بشرية، كما تساهم دراسات سوسيولوجيا القانون في تمديد الزمن الواقعي للقانون، و تجنب إصدار قوانين تتضح عدم فاعليتها بعد مدة وجيزة من تنفيذها، كونه يهتم بدراسة الخلفيات الاجتماعية و الاقتصادية و المصلحية لمختلف العلاقات التي يحكمها النص القانوني.