القيادات الأكاديمية والجامعات العظيمة 3 – 4

6 د للقراءة
6 د للقراءة
القيادات الأكاديمية والجامعات العظيمة 3 – 4

صراحة نيوز  – بقلم  د. عبد الله سرور الزعبي
الصين أيضاً تتميز جامعاتها ببنية بحثية قوية، ولها قدرة على تنفيذ البنى التحتية بسرعة تفوق غيرها من الدول بحوالي عشر مرات أحياناً. وتتقدم جامعاتها بخطى ثابتة نحو التميز، الأمر الذي تم التقاطه وطنياً وأدى إلى مناقشة مشروع إنشاء جامعة أردنية صينية تتبع النموذج الصيني في التقدم والتميز، وتم الطلب مني رسمياً بإعداد مقترح لإنشاء جامعة أردنية صينية تقنية، وتم الانتهاء من المطلوب بتقديم المقترح بموجب كتاب مؤرخ في 4/3/2014 إلى معالي وزير التعليم العالي آنذاك. ولأول مرة يؤخذ بعين الاعتبار إدخال فكرة إنشاء (Science Park) مع مرحلة التأسيس وعلى مساحة 1000 دونم، تبعه عدة اجتماعات مع الجانب الصيني، إلا أن الخلاف على الموقع الجغرافي عطل ذلك. ونتيجة للتباطؤ في عملية التنفيذ، فقد تم مناقشة فكرة نقل النموذج الصيني إلى إحدى كليات جامعة البلقاء مع معالي الدكتور عادل الطويسي الرجل الذي أقدره واحترمه لعدم تدخله في شؤون الجامعات والترقيات فيها وإيمانه المطلق باستقلاليتها، وتبنيه مفهوم (عليك اتخاذ القرار وتحمل مسؤوليته وأنا أقف إلى جانبك)، إلا أن فكرة نقل النموذج الصيني لم يحالفها النجاح بعد خروجه من الوزارة. كما بدأت مناقشات معه لتبني مشروع تقدمي لتبني المسارات المهنية والتقدم الوظيفي والذي تحقق أخيراً في عام 2020، عندما اقتنع معالي الدكتور محيي الدين توق، الرجل الحكيم، صاحب النظرة المستقبلية والبعيد كل البعد عن التجاذبات الجانبية بفكرة المشروع وأثره الإيجابي على مستقبل التعليم في الأردن ومعالجة مشكلة البطالة.
إن النماذج العالمية للقيادات الأكاديمية التي اطلعت عليها والنصائح التي سمعتها من بعض القادة الأكاديميين في الجامعات الأوروبية والأميركية والخبرة التراكمية، كانت كثيرة ومتعددة، أخذ معظمها بعين الاعتبار لوضع خطة لنقل الجامعة من حالة السكون، نذكر منها (وثق قبل استلامك لمهامك ووثق كافة الأعمال مهما كانت صغيرة أو كبيرة للرجوع إليها عند الحاجة، وضع خطة لتجاوز العقبات المالية “لا استقلال للجامعة دون أن تتعافى مالياً”، إعادة النظر في البرامج الأكاديمية والعمل على إغلاق غير المناسب منها والنظر في التجهيز لمهن المستقبل، يجب أن يكون لديكم إيمان بأن عطاء أصحاب الذكاء والطاقة يتجاوز الحدود لتقليص الفجوة بين وضع السكون والتقدم ولذلك يجب مكافأتهم ليس فقط معنوياً بل مادياً، الانفتاح والاستماع للمجتمع بما يخدم أهداف الجامعة وعدم السماح له بقيادتها، (هنا أذكر في لقاء مع معالي عاطف التل عام 2018، والذي طرح فكرة إنشاء كلية للذكاء الاصطناعي في الجامعة في حال توفر الإمكانيات، وفعلاً تم الأخذ بها وبالفعل أنشئت أول كلية للذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهدف إعداد المختصين لسوق العمل المستقبلي)، تحويل الجامعة إلى جامعة متخصصة وهجينة، كما يجب الأخذ بعين الاعتبار التأقلم مع المتغيرات السريعة على الساحة العالمية، التركيز على تعيين أصحاب الكفاءة والمتميزين بالتحصيل الدراسي عبر مسيرتهم “ ان الباحثين المتميزين هم أفضل المدرسيين، إذا كان الاختيار صحيحاً”، عدم التردد بالدفاع عن المؤسسة ومبادئها مهما كان الثمن، العمل على التشبيك العالمي “سيؤدي للحصول على دعم مالي ويزيد من التنافسية، والابتعاد عن سياسة التضليل وتشويه الحقائق فالكل متربص لنشر الإشاعة والإحباط وخاصةً في ظل وسائل التواصل الاجتماعي الرقمي، التنوع في مصادر المعلومات، وغيرها الكثير).
في لقاء جمعني مع بروفسور كلوتنيغ (Prof. Sierd Cloetingh ( رئيس أكاديمية العلوم الأوروبية للأعوام 2014-2020 على هامش مؤتمر ((World Science Forum الذي انعقد تحت رعاية ملكية سامية في عام 2017 في قصر المؤتمرات في البحر الميت وبرئاسة سمو الأميرة سمية بنت الحسن والتي أبدعت بتنظيمه وإخراجه بما يليق بالأردن أمام الحشد الكبير من العلماء العالميين، هذا مع العلم بأن معرفتي به تعود إلى عام 1996 وسبق أن دعاني أكثر من مرة لمناقشات علمية في هولندا أو في مقر أكاديمية العلوم الأوروبية. حيث تركز الحديث عن التميز في البحث العلمي والدخول الى التصنيفات العالمية لتحقيق اختراق وتحسين مكانة الجامعة “متسائلاً إذا ما استطعت تحقيق مركز متقدم على الساحة العالمية فهذا يعني زيادة حصة الجامعة في السوق”.
في لقاء مع البروفيسور هوتزل (Hotzel) من ألمانيا والذي تشرفت بالعمل معه لأكثر من عقد من الزمن، تشاركنا في تنفيذ بحوث مشتركة في قطاع المياه ومع آخرين، تركز الحديث على نوعية الباحثين، وخاصة بسبب ظاهرة انتشار الاستلال والسرقة العلمية في جامعات دول العالم الثالث، بهدف الحصول على الترقية، مؤكدا ضرورة استئصال هؤلاء من الجسم الأكاديمي مشبهاً إياهم بمرض السرطان في الجسم، ومستشهداً باستقالة وزراء من الحكومة الألمانية في عام 2011 و2013 لاستلالهم فقرات في رسائل الدكتوراة لهم قبل أكثر من ثلاثة عقود، ومتابعة ناشري البحوث في المجلات الوهمية ووقفهم عن القيام بذلك.
هوتزل الذي عمل لفترة تزيد على ثلاثة عقود مع عدد كبير من الباحثين من دول العالم الثالث، أشار إلى معرفته ببعض الأكاديميين الذي ثبت بأن لديهم استلالا علميا وصل في بعض الأحيان إلى نسب تصل أحياناً إلى 100%، لا بل يعيدوا إنتاج أنفسهم لتكرار نشر ما نشر سابقاً، حتى أن بعض راسمي سياسة التعليم والبحث العلمي في بعض البلدان سبق وأن فشلوا في إدارة مشاريع بحثية صغيرة كانوا قد حصلوا على تمويل لها والبعض منهم أصبح على رأس الهرم التعليمي أو قيادات من الصف الأول في بعض الجامعات في دول العالم الثالث، متسائلاً كيف لمثل هؤلاء أن يحققوا التميز؟، مضيفاً بأن الأكاديمي الذي يسرق بحثاً علمياً لا يؤتمن ولن يتردد في سرقة جهود الآخرين لبناء بطولة ومجد مزيف.

Share This Article